للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ما يخطئ الدهماء فيه وفي تسميته دائماً، لأنهم يتخبطون في الظلام؛ وهكذا ترى واحداً من الناس يصطنع دوامة من الماء تشمل الكون فيثبِّت الأرض بالسماء، وترى آخر يذهب إلى أن الهواء عماد الأرض وأن الأرض في شكل الحوض الفسيح، ولا تسيغ عقولهم قط وجود أية قوة تسير بهم إذ تصرفهم نحو الأحسن وهم لا يتخيلون أن في ذلك قوة فوق القوة البشرية، إنما هم يتوقعون أن يجدوا للعالم عماداً آخر أقوى من الخير وأكثر منه دواماً وشمولاً، وهم بغير شك يرون أن قوة الخير القسرية الشاملة هي كلُّ شيء، ولكني مع ذلك أتمنى أن أكون هذا هو المبدأ الذي أتعلمه إن وجد من يعلمنيه، ولما كنت قد فشلت أن أستكشف بنفسي أو بإرشاد غيري من الناس طبيعة الأمثل، فسأعرض عليكم إذا شئتم طريقة البحث في العلة التي وجدتها تتلو الأمثل في المثالية.

أجاب: لشد ما أحب أن أصغي إلى ذلك.

فمضى سقراط: ظننت أني ما دمت قد فشلت في تأمل الوجود الحقيقي فينبغي أن أحرص على عين روحي فلا أفقدها كما قد يؤذي الناسُ عيونهم الجثمانية بشهود الشمس والنظر إليها أثناء الكسوف، ما لم يتحوطوا فلا ينظرون إلا إلى الصورة المنعكسة على الماء أو ما يشبه الماء من وسيط؛ حدث لي ذلك فخفت أن تصاب روحي بالعمى الشامل إذا أنا نظرت إلى الأشياء بعينيّ أو حاولت أن أتفهمها بوساطة الحواس، وفكرت أنه يحسن بي أن أعود إلى المُثل فأبحث فيها عن حقيقة الوجود، وأني لأعترف ينقص هذا التشبيه - لأنني بعيد جداً عن التسليم بأن من يتأمل صور الوجود بوساطة المثل يراها (معتمة خلال منظار) دون من ينظر إليها وهي في نشاطها وبين نتائجها، ومها يكن من أمر فهذه سبيلي التي سلكتها: فرضت بادئ الأمر مبدأ زعمت أنه أمتن المبادئ، ثم أخذت أثبت صحة كلُّ شيء يبدو متفقاً مع ذلك المبدأ، سواء أكان ينتمي إلى السبب أو إلى أي شيء آخر، واعتبر كلُّ ما يتنافر وإياه غير صحيح، ولكني أحب أن أوضح بالشرح ما أعني، فما أحسبكم تفهمون ما أريد.

فأجاب سيبيس: كلا، حقاً إنا لم نفهم جيداً.

قال: ليس فيما أوشك أن أنبئكم به من جديد، فهو ما ظللت أكرره أينما حللت، فيما سبق من نقاش، وفي ظروف غيره سلفت، فثمة علة قد ملكت على خواطري، أريد أن أبسط لكم

<<  <  ج:
ص:  >  >>