للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

طبيعتها، ولا مندوحة لي عن العودة إلى تلك الألفاظ المألوفة التي يلوكها كلُّ إنسان، فأزعم قبل كلُّ شيء أن ثم جمالاً مطلقاً وخيراً مطلقاً وكبراً مطلقاً وما إلى ذلك. سلم معي بهذا ولعلي أستطيع أن أدلك على طبيعة العلة، وأن أقيم لك الدليل على خلود الروح.

فقال سيبيس: تستطيع أن تمضي من فورك من برهانك، فلست أتردد في أن أسلم لك بهذا.

فقال: حسناً، إذن فأحب أن أعلم هل تتفق معي في الخطوة التالية، وتلك أنه لو كان هنالك شيء جميل غير الجمال المطلق لما شككت في استحالة أن يكون ذلك الشيء جميلاً إلا بمقدار مساهمته في الجمال المطلق - وأني أقرر هذا عن كلُّ شيء. أأنت موافقي على هذا الرأي في العلة؟

فقال: نعم أوافقك.

فمضى قائلاً: لست أعلم شيئاً ولا أستطيع أن أفهم شيئاً عن أي سبب آخر من تلك الأسباب الحكيمة التي يزعمونها، فإن قال لي أحد إن جمالاً ينبعث عن ازدهار اللون أو الشكل أو ما شئت من شيء من هذا القبيل، لطرحت قوله جملة، فليس لي منه إلا ربكتي، ولتشبثت بفكرة واحدة دون غيرها تشبثاً قد يكون على شيء من الحمق، ولكني من صوابها على يقين، وهي أنه لا يجعل الشيء جميلاً إلا وجود الجمال والمساهمة فيه، مهما تكن سبيل الوصول إلى ذلك، وكيفية الحصول عليه، فلست أقطع برأي في الكيفية، ولكني أقرر بقوة أن الأشياء الجميلة كلها إنما تكون جميلة بالجمال، وعندي أن ذلك وحده هو الجواب المعصوم الذي أستطيع أن أدلي به لنفسي أو لأي أحد آخر، وإني لأتشبث به، ويقيني أن لن تصيبني الهزيمة قط، وأنه في مكنتي أن أجيب، في عصمة من الزلل، على نفسي أو على أي أحد من الناس، بأن الأشياء الجميلة لا تكون جميلة إلا بالجمال. ألست توافق على ذلك؟

- نعم أوافق.

- وبالكبر وحده تصير الأشياء الكبيرة كبيرة فأكبر وأكبر، وبالصغر يصير الصغير صغيراً؟

- حقاً.

(يتبع)

<<  <  ج:
ص:  >  >>