للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كأنيَ قَبرٌ ترامَى العفاءُ ... على جانبيهِ وعَجّ البِلَى

وقلبي أُنشودةٌ حلْوةٌ ... تغنى بها قافلاتُ الهوى

مررتُ بصحراءِ هذي الحياةِ ... كما مرَّ الغُمْضِ طيفُ الكَرَى

على منكبيَّ بياضُ النَّهار ... وفي مُقلتيَّ سواد الدُّجى

لئنْ نَقَمَ القلبُ أشجانهُ ... لما كربتْهُ صُروفُ الرَّدى

وإن أنكرتهْ الأماني العذابُ ... فما حَفَلَ الدهرَ مُرَّ الشَّجا

تصبَّرتُ حتى فقدْتُ المعِينَ ... وأجملْتُ حتى مَلِلْتُ الأُسا

فيا قلْبُ حَبْسٌ عليكَ العذَابُ ... ويا عينُ وقفٌ عليكِ البُكا

أُحسُّ كأنيَ قمرْيَّةٌ ... تنُوحُ على حُلُمٍ قد نَأَى

تُودِّعُ آمالهَا الضحكاتِ ... وما ضَمَّ عالمُها منْ دُمى

وتمشي إلى شَجَنٍ قاتمٍ ... رهيبِ الكونِ سحيقِ الهُوى

عييتُ بحبِّيَ لَمَّا استفاضَ ... وذُقْتُ لذاذَتهُ مذْ مضى

وعشتُ بفرحتهِ حالما ... أَطوفُ بأوهامهِ والرُّؤَى

فيالكَ من جَدوِلٍ هانئٍ ... إذا شَربَ القلّبُ منه ارتوى

فواردُهُ لا يُحسُّ الشقآَء ... وراشفُهُ لا يذوق الصَّدى

ويا رُبَّ واهٍ براهُ الهزال ... ترشَّف أمواههُ فاشتفى

وسكران من كأسِ هذا الزَّمان ... تنشَّقَ نافحه فانتشى

تموجُ الغُيوبُ بأعطافه ... ويطفحُ في حافتهِ الجَدَا

خلاَ منْ منا كدِ هذي الحياةِ ... ومن رتقِ جرعتها والقذى

يُعنِّى فيهتزُّ هذا الوجودُ ... ويشدو فيطربُ هذا الوَرَى

أُحِبُّ السماَء ولكنما ... يدافعني عنْ هواي الثرى

هي الأرض مهدى أَتى شردْ ... ت وحنّقْت في الكائنات العلى

ولكنَّ روحي مِلْكُ الخلودِ ... ورهن البقاءِ وخذن السَّنا

أنور العطار

<<  <  ج:
ص:  >  >>