للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعاشت بندورا مع ابيمثيوس كما يعيش الآلهة في الفردوس. . . حياة كلها مرح، وأياماً جميعها لذة وإيناس، يخلو إليها فتمتزج روحهما، وتختلط نفساهما، وتكون هي فتنة زوجها المسكين؛ تأسر لبه بموسيقاها الحنون: وتسحره بالرزقة النائمة في عينيها، وتبهره بكلماتها الغوالي في الحكمة والموعظة الحسنة!!

وتركهما زيوس حيناً من الدهر ينهلان خمر الحياة، ويعبان من عسلها المصفى؛ ثم دعا إليه هرمز، فحمله صندوقاً ثميناً، وأنفذه به إليهما. . . (. . . وإياك أن تبعث به في الطريق، فأنه هديتي إلى بندورا، وفيه انتقامي من عباد بروميثيوس؛ فسر به إلى الفتاة، وأوصها به خيراً. . .).

وكان الزوجان يتراقصان على الحشيش الأخضر أمام قصرها المنيف حين أقبل هرمز بالصندوق، يتعثر في مشيته، وقد بدت وثاء السفر عليه، وعلق الثرى بأسماله البالية، فلفتت بندورا نظر زوجها إليه، وذهبا سويه للقائه والاحتفاء به؛ لكن هرمز أبى إلا أن يذهب إلى القصر، ليسلم الهدية، وليبلغ رسالة السماء. فسار الجميع حتى كانوا في المخدع الوثير وجلس هرمز يستريح قليلاً، ثم قال:

(هاك يا بندورا العزيزة هدية الإله الكريم إليك، خصك بها من دون براياه أجمعين. وأحسبك في غني عن أن أصفها لك. فها هي أمامك تتكلم عن نفسها. ولكن الإله الأكبر يشترط ألا تفتحها إلا بإذنه، فلا تتعجلي، حتى يأتيك أمره. وإنه لقريب.).

ونهض هرمز، وسلم وانصرف، وما تزال بوجهه تلك الضحكة الساخرة التي كانت عليه يوم استودع بندورا قلب الكلب، ونفس اللص، وعقل الثعلب. . .

وكان ابيمثيوس قد قدم إليه من ثمر حديقته الشيء الكثير، ولكنه لم يمد يده إليه. . .

وكان الليل قد قارب أن ينتصف، وكان الكري قد لعب بطرفها الوسنان، فاستلقت على أريكتها الحريرية، وغرقت في سبات عميق، ممتلئ بأحلى الرؤى، وأطيب الأحلام.

وخيِّل إليها أن في الصندوق أرواحاً سحرية تكلمها، وتنسج الأماني العذاب لها؛ وأن دينا بأكملها تتفتح وتزهر حولها. . . فلما نهضت من نومها من في بكرة اليوم التالي، أحست أن أملا كبيراً يملأ قلبها، وأن رغبة ملحةً تسوقها إلى الصندوق كلما ابتعدت عنه؛ وحدثت زوجها بما تجد، فعللها هو الآخر بالآمال، وأخذ يهدئ من روعها الذي بدا اضطرابه بأحلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>