للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مظاهره. . . ودعاها إلى نزهة خلوية فأقسمت لا تغادر البيت، بل لا تغادر الغرفة التي تضم الصندوق الصغير، (الذي أحس أنه مغلق على قلبي ونفسي جميعاً. . .!) فرثى لها، وانطلق هو، لأول مرة منذ عرفها، وحده، ينام إخوانه الآلة ويلاعبهم؛ وبندورا، وحدها في مخدعها، تقلب الصندوق العجيب، وتتحدث إليه، كأنه يسمع ويرى.

وغبرت أيام وهي في حال من الهم لم تعهدها من قبل، وكانت تجلس وحدها حزينة كاسفة، تنتظر بشير الآلهة الذي يأذن لها بفتح الصندوق. . . ولكن هيهات!. . . لقد طال ما انتظرت حتى نفذ صبرها وعيل، ونهضت إلى الصندوق تقلبه، وتقلبه، وهي مأخوذة بجمال صنعه، ودقة زخرفته، وهذا الغطاء المزركش الذي انغلق على آمالها وأحلامها. . .

وحاولت أن تفتحه، ولو أغضبت بذلك السماء ومن فيها من آلهةٍ وأرباب، ولكنها فشلت غير مرة، وضاقت بها الدنيا بما رحبت؛ فدفعت بالصندوق دفعة قوية على أديم الغرفة، فانصدع، ولما تناولته ثانية، هالها أن وجدت بعض أربطة الغطاء قد تقطعت، ثم هالها أكثر أن تسمع هذه الأصوات، منطلقة من الداخل:

(بندورا! بندورا! بندورا العزيزة! حنانيك! خلصينا من هذا السجن السحيق! إننا نتعذب هنا. . . أنقذينا يا بندورا فقد ضقنا بما نحن فيه. . . إننا لم نصنع شئياً حتى نرسف في هذا الحيز الضيق. . .).

(ماذا؟. . .

ما الذي يتحدث هكذا في هذا الصندوق. . .؟ إنها أصوات حزينة ملكومة، وإني لابد منقذتها! ماذا أنتظر؟ أمر السماء! هذا لا يهم!!

أنفتح أيها الغطاء. . .!)

وضغطت الصندوق ضغطة هائلة فانفتح الغطاء؛ وسرعان ما انطلقت خفافيش سوداء ذات مخالب حادة فملأت هواء الغرفة، وأهوت على بندورا المسكينة تعضها وتجرح بدنها الغض، وكلما وخزها خفاش لعين، انطلق قائلاً: (أنا المرض!) ويقول آخر: (أنا الفقر!) ويقول ثالث: (أنا الجوع!). ويقول رابع: (أنا البخل!). وخامس: (أنا القحط). وسادس: (أنا النفاق!) وسابع. . وثامن. . . إلى آخر الرذائل التي تكظ الحياة إلى يومنا هذا؟!. . .

وانطلقت الخفافيش من الغرفة إلى القصر، فجرّحت الخدم والخول ثم انطلقت إلى الحديقة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>