وأنت إذا أبصرت امرأة شيخة قد ذهبت التي كانت فيها. . وأخطرت في ذهنك نية مما بين الرجال والنساء، فهل تراك واجدا للشهوة والميل، إلا النفرة والمعصية؟ إن هذا الذي كان الحب والهوى والعشق، هو بعينه الذي صار الإثم والذنب والضلالة!
قال مجاهد: كأنك لما ذهبت تقتل نفسك من حبها قتلتها هي في نفسك؟
قال: يا رحمة قد رحمت بها نفسي يومئذ! أما والله إن الذي يقتل نفسه من حب امرأة لغبي. ويحه! فليتخلص من هذا الجزء من الحياة لا من الحياة نفسها. وقد جعل الله للحب طرفين: أحدهما في اللذة، والآخر في الحماقة؛ ما منهما بد. فهذا الحب يلقي صاحبه في الأحلام ويغشى بها على بصره، ثم إن هو اتجه بطرفه السعيد إلى حظه المقبل واتفقت اللذة للمحب - أيقظته اللذة من أحلامه؛ وإن اتجه الحب بطرفه الشقي إلى حظه المدبر وقعت الحماقات فنونا شتى بين الحبيبين، وفعلت آخراً فعل اللذة فأيقضت العاشق من أحلامه أيضاً. وهذا تدبير من الرحمة، في تلك القسوة المدمرة المسماة الحب. أفلا يدل ذلك على أن اللذة وهم من الأوهام مادام تحققها هو فناءها؟
خذ عني يا مجاهد هذه الكلمة:(ليس الكمال من الدنيا ولا في طبيعتها، ولا هو شيء يدرك، ولكن من عظمة الكمال أن استمرار العمل له أو إدراكه)
قال مجاهد: لقد علمت بعدنا علما، فمن أين لك هذا، وعمن أخذت؟
قال: عن السماء؟
قال: ويلك! أين عقلك، فهل نزل عليك الوحي؟
قال الرجل: لا، ولكن تعاليا معي إلى الدار فأحدثكما
قال المسيب: وذهبنا معه؛ فآتينا بطعام نظيف فأكلنا، وأشعرتنا الدار أن ربها قد وقع فيما شاء من دنياه وتواصلت عليه النعمة؛ فلما غسلنا أيدينا قال مجاهد: هيه يا أبا. . يا أبا من؟ قال: أبو عبيد. قال: هيه يا أبا عبيد. .
ففكر الرجل ساعة ثم قال: عهد كما بي منذ تسع في مجلس الإمام الشعبي بالكوفة؛ وقد كنت في بقية من النعمة أتجمل بها، وكانت تمسكني على موضعي في أعين الناس؛ فما زالت تلك البقية تدق وتنفض حتى نكد عيشي ووقعت في الأيام المقعدة التي لا تمشي