لا يبالي الحيوان مالا ولا نعيما ولا متاعا ولا منزلة ولا حظا ولا جاها، ولن تجد حمار الملك يعرف من الملك اكثر مما يعرف حمار السقاء من السقاء؛ ولعلك لو سألتهما وأطاقا الجواب لقال لك الأول: إن الذي فوق ظهري ثقيل مقيت بغيض؛ ولقال لك الثاني: إن الذي يركبه خفيف سهل سمح!
ولكن بلاء الإنسان أنه حين يطوحه البؤس والشقاء وراء الإنسانية، لا ينظر لغير الناس؛ فيزيده بؤسا وحسرة، ويمحق في نفسه ما بقي من الصبر، ويقلب رضاه غيظا، وقناعته سخطا، ويبتليه كل ذلك بالفكرة المهلكة أعجزها أن تهلك أحدا فلا تجد من تدمره غير صاحبها؛ فإذا هي وجدت مساغاً إلى الناس فأهلكت وعاثت وأفسدت جعلت صاحبها إما لصا أو قاتلا أو مجرما أي ذلك تيسر!
وقال: وكنت اعرف في البصرة فلانا التاجر من سراتها ووجوه أهلها، فاستطرقته فإذا هو قد تحول إلى خراسان، وليس يعرفني أحد في البصرة ولا اعرف أحدا غيره؛ فكأنما نكبت مرة ثانية بغارة شر من تلك، غير أنها قطعت علي في هذه المرة طريق ايامي، وسلبتي آخر ما بقي لنفسي وهو الأمل!
ورأيت أنه ما من نزولي إلى الأرض بد، فأكون فيها إنسانا كالدابة أو الحشرة، حياتها ما اتفق لا ما تريد أن يتفق؛ وأنه لا رأي إلا أن اسخر من الشهوات فازهد فيها وأنا القوي الكريم، قبل أن تسخر هي مني إذا جئتها، وأنا الطامع العاجز!
وفي الأرض كفاية كل ما عليها ومن عليها ولكن بطريقتها هي لا بطريقة الناس؛ وما دامت هذه الدنيا قائمة على التغيير والتبديل وتحول شيء إلى شيء، فهذا الظبي الذي يأكله الأسد لا تعرف الأرض أنه قد أكل ولا أنه افترس ومزق، بل هو عندها قد تحول قوة في شيء آخر ومضى؛ أما عند الناس فذلك خطب طويل في حكاية أوهام من الخوف والوجل؛ كما لو اخترعت قصة خرافية تحكيها عن أسد قد زرع لحما. . . فتعهده فأنبته فحصده فأكله، فذهب الزرع يحتج على آكله، وجعل يشكو ويقول: ليس لهذا زرعتني أنت، وليس لهذا خرجت أنا تحت الشمس، وليس من اجل هذا طلعت الشمس عليّ وعليك!
والإنسان يرى بعينيه هذا التغيير واقعا في الإنسانية عاميتها وفي الأشياء جميعها؛ فإذا وقع فيه هو ضج وسخط، كأن له حقا ليس لأحد غيره؛ وهذا هو العجيب في قصة بني آدم، فلا