وكان إلى جانب الطلاق مستقى خصبا لهذه الإشاعات الغريبة التي تصور الأسرة البابوية عرينا من الضواري التي جردت من كل عاطفة بشرية. وكان دوق جانديا أكبر أبناء اسكندر السادس، في الرابعة والعشرين من عمره، وأخاه شيزاري في الحادية والعشرين؛ وكان البابا يعتبر ابنه البكر عميد أسرته من بعده، ويرشحه دون شيزاري لكل مشاريعه السياسية العظيمة. أما شيزاري فقد زجه أبوه إلى الحياة الكنسية، ورقاه بسرعة كردينالاً لبلنسية؛ ولكن شيزاري كان بطبيعته الوثابة المغامرة، وأطماعه الدنيوية البعيدة يزهد في الحياة الكنسية ويتلمس الفرار منها؛ وكان يرى في أخيه الأكبر دوق جانديا حائلا دون أطماعه. ففي ربيع سنة ١٤٩٧، كان البابا قد عاد إلى التفاهم مع مملكة نابل (نابولي) واتفق مع ملكها الجديد فردريك الأرجوني على أن يتلقى التاج من قبل الكرسي الرسولي، وأن يقطع بعض ولاياتها الجنوبية لدوق جانديا ولد البابا؛ وانتدب البابا ولديه جان وشيزاري للسفر إلى نابل، الأول ليتسلم إقطاعه الجديد، والثاني ليمثله في تتويج ملك نابل. وفي مساء ١٤ يونيه، قبيل رحيلهما، أقامت لهما والدتهما فانوزا مأدبة عشاء حافلة في قصرها المتواضع؛ وبعد العشاء انصرف دوق جانديا مع أخيه شيزاري، ثم افترق الاثنان في منتصف الطريق، وسار الدوق مع تابع له واختفى في جوف الظلام؛ ولم يعرف قط ما حدث له بعد ذلك؛ ولكن تابعه وجده ملقى في صباح اليوم التالي على شاطئ التقيري (التيبر) جثة هامدة، وانتشلت جثة الدوق بعد ذلك من النهر، وقد أثخنت طعنا، ولم يكشف سر الجريمة قط.
وطار الخبر في رومة بأن دوق جانديا قد قتل، وحزن البابا لمصرع ولده الأكبر أيما حزن، ولبث يذرف الدمع الثخين مدى يومين وهو معتكف في غرفته لا يتذوق طعاما ولا يرى أحدا. من اجترأ على ارتكاب هذه الجريمة الشنعاء؟ ولأي الأسباب؟ كثرت في ذلك الظنون والريب، وتنوعت التهم والبواعث؛ فقيل إن الجريمة من تدبير جان سفورزا انتقاما للتفريق بينه وبين زوجته، وقيل إنها من تدبير عمه الكردينال اسكانيو انتقاما لشرف الأسرة، وقيل إنها من تدبير آل أورسيني ألد خصوم البابا؛ ولكن هذه التهم لم تلق كبير سند؛ أما أولئك الذين يعرفون آل بورجيا فقد ألقوا تبعة الجريمة على شيزاري بورجيا نفسه.
أجل، قتل شيزاري أخاه جان دوق جانديا لأنه يفوز دونه بعطف أبيه، ويخصه أبوه دونه