وفي ذلك ما يدل على تقدير خاص من البابا لمواهب ابنته ومقدرتها على الاضطلاع بمهام الأمور. والواقع أن لوكريسيا بورجيا كانت فتاة وافرة العقل وافرة الذكاء، تتبع سير الشؤون العامة بدقة، وتفهم بالأخص آراء والدها واتجاهاته المختلفة؛ وكانت عند ثقة أبيها حيث قامت بمهمتها زهاء شهرين بفطنة وذكاء.
ثم عاد البابا إلى رومة، واستأنف بلاط الفاتيكان حياة البذخ والحفلات الشائقة، وكانت لوكريسيا يومئذ قد ناهزت عامها الحادي والعشرين، واكتملت زهرة شبابها وجمالها.
وهنا، وفي تلك الفترة، تقدم لنا الروايات المعاصرة، أغرب الصور وأروعها عن تلك الحياة الأثيمة الفاجرة التي كانت تنتظم وراء جدران الفاتيكان، وتخوض لوكريسيا بورجيا غمارها إلى جانب أبيها الحبر المتهتك وأخيها الطاغية الفاجر.
ومن ذلك تلك الحفلة الراقصة الشهيرة التي تفيض في تفاصيلها روايات العصر وتسميها (مرقص الكستنة) والتي كانت مسرحا لأسفل ما يتصور الذهن الخليع من مناظر التهتك والفحش.
ويقول لنا بور كارت في مذكراته إن تلك الحفلة الشهيرة كانت في مساء ٣١ أكتوبر سنة ١٥٠١؛ وفيه استقدم البابا خمسين غانية من أجمل نساء رومة؛ ومثلن جميعا عاريات أمام البابا وابنه شيزاري وابنته لوكريسيا، وقمن بأفحش المناظر الراقصة والجنسية التي يمكن تصورها؛ ومن ذلك أنهن كن يركضن عاريات على أربع وراء حبات الكستنة التي كان يلقيها البابا وابنه وابنته تحت الأضواء الساطعة، وتعطى الجوائز للسابقات، كما تعطى لأبرعهن في عرض افحش المناظر والأوضاع.
هذا ما يرويه بور كارت مدير التشريفات البابوية في مذكراته الشهيرة بإفاضة مثيرة تحمر لها الوجوه وتندى الجباه حياء وخجلا، وهذا ما ترويه معظم الروايات والتواريخ المعاصرة مع فرق في بعض الوقائع والتفاصيل.
كانت هذه الحفلات والمناظر الشائنة تتكرر وراء جدران الجناح البابوي في الفاتيكان؛ في تلك الأبهاء الشهيرة التي أنشأها اسكندر السادس، وأفاض عليها أقطاب الفنانين والمصورين أروع بدائعهم، والتي ما زالت تعرف حتى اليوم (بجناح آل بورجيا) وتعرض لأنظار السائح المتجول، فيحمله التأمل والخيال إلى تلك الأيام والذكريات المرحة البعيدة.