كبير، ربما وصلت إلى نتائج شيقة إن عني بضبطها وصحتها. وإذا كنا نتحدث عن الأفراد والشعوب واستعدادهم لقبول الخرافة، فيجدر بنا أن نشير إلى ملاحظة هامة، وهي أنه لا يوجد شخص يسلم بالخرافة التي يعتنقها في حين أنه متيقظ دائما إلى خرافات الآخرين. وقد يصل بنا الأمر إلى أن نقيس الشيء الواحد بمقياسين مختلفين، وننظر إليه بمنظارين متباينين، فإن كان مما عرفناه وألفناه أضحى دينا وعقيدة؛ وإن اتصل بتقاليد غريبة عنا استنكرناه وتبينا ما فيه من تضليل وتخريف: وكأن ما هو دين في رأيك خرافة في رأي غيرك وبالعكس: وعل ذلك راجع إلى أن الخرافة تسلب معتنقها قوة النقد والحكم الصحيح؛ هذا إلى أنها نسبية وصعبة التحديد: فما كان عقيدة بالأمس أصبح خرافة اليوم؛ وما هو صواب شرق جبال البرانس يعد خطأ غربها؛ ومقياس الخرافة - كمقياس الحق والباطل - يتغير بتغير الظروف والأزمنة.
يعز علينا حقيقة أن نعرف الخرافة تعريفا شاملا، وأن نضع لها حدا ثابتا. فلا يمكننا أن نقول إنها كل ما خالف العلم الصحيح، فإن هذا العلم نفسه لما يحدد تماما؛ على أنه قد يقصد أمورا يصعب علينا أن نخرج بها عن دائرة الخرافة. فكثير من المثقفين يؤمن اليوم بتحضير الأرواح، ويجتهد في أن يفسره تفسيرا علميا. ولا نستطيع أن نقول إن الخرافة كل ما ناقض الدين، فإن هناك أشياء اكتست بكساء ديني كامل في حين أنها خرافة صريحة. وفي شيء من التقريب يمكن القول بأن الخرافة كل فكرة أو عقيدة فردية أو جمعية تفسر ظواهر العالم على نحو لا يلتئم مع العقل ولا مع درجتنا العلمية الحاضرة. وعلى في سرد بعض الأمثلة ما يعيننا على تفهم الخرافة في حقيقتها ومدلولها. من ذلك أن بعض الأوربيين يرى أن كب الملح نذير سوء. وأن اجتماع ثلاثة عشر شخصا على مائدة واحدة مؤذن بأن واحدا منهم سيموت في العام نفسه، وأن تقديم السكين يقطع المودة، وأن وضع المكنسة في الماء مجلبة المطر. وخرافاتنا المصرية التي هي ميدان فسيح للدراسة غير متناهية العدد؛ ومن أشهرها حديث (الشمامة) ورعراع أيوب وأكل البصل أيام شم النسيم، وصناعة التبخير أو (الزار) والرقى والتعاويذ. وعبثا نحاول إن شئنا أن نأتي هنا على مختلف الخرافات العالمية أو المصرية. وفي مقدورنا أن نلاحظ بوجه عام أن الخرافات تكاد تتمركز حول نقطتين هامتين: المعتقدات والعبادات الدينية؛ وهذا ما سماه