الأستاذ عواطفه، وإذا بالوطنية الصادقة تأسر عليه مشاعره، فيأبى إلا أن يجلي مصر في مضمار النهضة العلمية تجلية مشرقة، فينصفها في البحث وإن لم ينصفها الدهر في الحظ، في غير محابة ولا تحيز، شأن العالم الورع، والمحقق العادل.
أما في الفصل الرابع والخامس فقد تكلم الأستاذ عن الحديث والتفسير والتشريع. ومن أجدر من الأستاذ (أحمد أمين) بتوفيه هذه البحوث والقيام بواجب تحقيق هذه المسائل، فهو ابن بجدتها، وأبو عذرتها. ولا يرضيني في الكشف عن محاسن هذين الفصلين إلا أن أشير على القارئ الكريم بقراءتهما، وأرغب إليه في دراستهما حتى يتذوق جمال حقائقهما بنفسه؛ ويقف على بديع تنسيقهما بدرسه. إذ هما يقعان فيما يقرب من مائة وخمسين صفحة من الكتاب. فجزى الله الأستاذ عن الحديث والقرآن خير الجزاء.
أما في الفصل السادس من الكتاب، وهو الفصل الذي يمت إلى الأدب في صميمه، ويرتبط في اللغة في أصولها. فقد بحث فيه الأستاذ اللغة والأدب والنحو، فتراه في هذا الفصل أمينا محافظا على طبيعة هذه العلوم من الوقوف عند النقل والاقتصاد في الرأي والنقد في غير ما سرف ولا إفراط.
أما الفصل السابع وهو الأخير في الكتاب فكان الكلام فيه عن التاريخ والمؤرخين. أتى فيه الأستاذ بتقسيم جميل لأنواع التاريخ، من تاريخ في السيرة، وتاريخ للحوادث، وتاريخ للأنساب، وتاريخ للرجال، وأخبار وقصص. فكان موفقا جد التوفيق في تحليله لمغازي ابن اسحق تحليل المنصف الدارس في بصيرة نافذة ورأي حر طليق. ثم ختم الأستاذ هذا الفصل بالكلام على عيوب المؤرخين الإسلاميين ومزاياهم فأنصفهم ووفاهم حقهم.
وبعد، فسأذكر ما أخالف الأستاذ فيه من الرأي، وهي مخالفة يسيرة واختلاف هين. وقد عودنا الأستاذ تقبل ذلك بما عهدناه فيه من سمو في الخلق ونبل في القصد.
أولا: أحصى الأستاذ في ص (١٧٣) المذاهب الفقهية التي ظهرت في العصر العباسي سوى المذاهب الأربعة، ولكنه أغفل مذاهب الشيعة. مع أنها مذاهب لها قوتها ولا يزال بعضها منتشرا كمذهب الزيدية في اليمن والإمامية في العراق وإيران. فلهذا المذهب أئمة ومؤلفون وكتب فقهية تطبع وتدرس.
إلا إذا كان الأستاذ قد رأى تأخير ذلك إلى الكلام على عقائد الشيعة في الجزء الآتي بعد من