خوفي من رجل يقول:(وعليكم السلام)؟؟ ولو كان امرءاً سوء لاستخفى، فتشجعت وأدرت عيني في المكان فلم تأخذ شيئاً في هذا السواد، فقلت:
(من عساك تكون أنت يا صاحبي؟)
فقال الصوت:(وما سؤالك هذا؟ لن تعرفني على كل حال. فإني قديم - قديم، ولكن تعال ساعدني واحتقب شكري)
فدنوت منه - أعني من مصدر الصوت - وسألت:(على أي شيء تريد أن أساعدك؟)
قال:(على حمل هذا الحجر - فقد وهن عظمي جداً)
قلت:(ولماذا تريد أن تحمله؟ دعه حيث هو، فإنه من حجارة المقبرة وليس لأحد أن يزحزحها عن مكانها أو ينقلها)
قال:(إنك معذور)
قلت:(كيف؟ ماذا تعني؟)
قال:(هذا قبري. وهذا من سواه - عليه اسمي مكتوباً. . . تستطيع أن تقرأه إذا شئت)
فكان من دواعي عجبي بعد ذلك أني لم أذعر ولم أول هارباً، بل أقبلت عليه أسأله وأستخبره فقال: (لقد هجرنا جميعاً هذه المقبرة المهملة - لم يبق لنا فيها مقام. وكيف المقام في قبور متهدمة؟؟ لقد كانت جديدة حسنة البناء يوم جئنا، وكان أهلنا - الباقون منا على قيد الحياة - يعنون بها ويرشون أرضها بالماء ويحملون إليها الزهر والرياحين، فكان نشرها يفوح ويتضوع، فإذا جن الليل خرجنا من القبور مسرورين وأقبلنا عليها نشمها وننعم بشذاها، وكان القراء يتلون على أجداثنا القرآن فيندى على قلوبنا وترف له نفوسنا ونحس أن عظامنا قد طريت. أما الآن. . .!؟ لا يا صاحبي، لم تعد هذه المقبرة صالحة للإقامة! وقد هجرناها، وجمع كل منا كفنه وحمل من له حجر حجره، ورحلنا، وكيف كان يسعنا غير ذلك؟ إنها لم تعد جبانة. . . هذه هي مساكن الأحياء أراها من مكاني هنا. . . فهل هذه مقبرة؟ لقد زحف الناس ببنائهم وغزوا أرضنا وجاروا علينا، وجاورونا، فبالله كيف نطيق جوارهم؟ كيف نحتمل لغطهم وضجاتهم التي لا تنتهي؟ ما عسى صبرنا على حركاتهم التي لا يعقبها سكون؟؟ لكأنا ما متنا ولا استرحنا إذن!؟ وأقول لك الحق لقد بدأنا نأسف على أنّا متنا. . . لا يا صاحبي، لم تبق هذه الأرض للموتى، ولم يعد ثم مفر من