للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والجدر! هراقيليوس! هراقيليوس! كيف أنت؟ كأننا لم نفترق وكأن الأيام لم تفصل بيني وبينك وكأن تلك الحجرة التي ازدانت بتصاوير الصالحين والرسل، وما زالت تحتوينا معاً! ولكن مصاير الناس تعاورها الحذف والتبديل فقد كنت لسنين خلت ذلك الرجل المزهو بانتصاراته، وكانت (بليتزا) التي فزعت إلى الناصري في الليلة الليلاء تنظر في كثير من الزهو إلى مصرع ذكائك!. . هراقيليوس! ناشدتك الله أن تقول لي كيف أنت؟

لم يكن في ميسور هراقليوس أن يرفع عينيه إلى هذه الأطياف فلقد برح الرعب به تبريحاً أليماً، وأيما بأسه وشجونه خيال بليتزا، وخيال ابنتها واستجاش جواه ذلك الصدر القريح الذي حسر نفتالي عنه، فتقاصر وتصاغر وراح جاثياً على قدمي العمياء مستغفراً تائباً، فسمعت مارية ابنته صلاته الهامسة، فدلفت إليه وقالت: أبي! أبي! فما سمع ندائها الرفيق الشجي، بل ظل يتخافت بصوته، بينما كان نفتالي وبنيامينا يصليان في زاوية المعبد صلاة لم يخالطها كثير أو يسير من البغض، وبينا ماريا الصغيرة تنظر إلى أبيها الدميع بعينين رحيمتين بريئتين

وكان ضياء القمر لا يزال يتسرب من صدوع في القبة إلى أرض المحراب، فينير الصور التي على الحوائط والجدر. ثم ينثر أشعته الخفيفة على وجوه الأربعة الذين أتموا نذورهم في الليلة الرهيبة التي أرادها هراقيليوس خاتمة صومه وحجه!

رزح قيصر تحت وقر هذه الصور القائمة، فأغفى على الحجارة، وسبحت نفسه في عالم قصي بعيد، فلما استوثق نفتالي من إغفاءته تلفت إلى بليتزا وقال لها: (لنذهب يا سيدتي قبل أن يستفيق، فلقد قضينا نذورنا ولم يبق لنا ما نعمله في الأماكن الطاهرة! فقالت بليتزا: (أترجع إلى البحر الميت أيها السيد نفتالي، قال: نعم سأرجع إلى منفاي مع ابنتي، قالت: فإذا أبصرك الحرس فماذا تقول؟ فقال: لن يبصرنا الحرس يا سيدتي، لأننا سنخرج من باب خفي، وما اكثر الأبواب الخفية في هذه المحاريب! فقلت: افعل ما تريد فعله حماك الله ورعاك! ثم نظرت إلى هراقيليوس النائم نظرة راثية وألقت بنفسها بين ذراعي ابنتها هامسة: لقد عفوت!. . .) فبرقت أسارير الصغيرة من الفرح وقالت:

- إن الله قد عفا يا أماه!

ولم يشأ نفتالي أن يكون في معزل عن هذه الرحمة التي خالجت قلبي الأم والبنت، فاخذ

<<  <  ج:
ص:  >  >>