كل أمري فما أظنك نسيت نفتالي، ولا أراك نسيت (بنيامينا) ابنته التعسة
لقد جئت هذا المكان الطاهر من مكاني السحيق البعيد، لأرى إليك وأسمعك دعاء وعيته وحفظته، ثم علمته ابنتي لتجهر به أمام السيد الذي رد إلى المحزونين والماحلين وما هم في حاجة إليه من شباب وعافية، وطلاقة وبشر. انظر يا مولاي إلى ابنتي! لقد كانت في عفافها ونقائها كهذه الصورة التي تمثل السيد في طفولته، فعبث بها رجالك، هؤلاء الذين جابوا العالم كله باسم النصرانية، فلما رجعوا إلى مهدها رجعت إليهم سلائق الوثنية فقتلوا البريء واضطهدوا البريئات!
ولما سكت (نفتالي)، قالت (بليتزا): (لقد حرمني الألم والنفي والسهد ضياء عيني فما نعمت بالنظر إلى محيا الطفولة التي انبثقت من دمي، وعشت في (عين كارم) عيشة راعبة لا تليق بمن كانت ابنة لتيوفان البطل! وكانت آلامي تنمو بجانب نمو ابنتي حتى كرهت الحياة ومللت مقامي بين الأحياء، ولكن صوت الطفلة التي أحببت جنبني موتاً ما كنت أجد في غيره راحة لنفسي، ثم نذرت لأمضين إلى المسيح في مهده فاسمعه بثى، فإذا لم يسمع انطلقت إلى لحده وأيقظت رفاته
وكنت عالمة بوصولك الوشيك إلى الشام فرجعت أسأل عنك فإذا قيل لي أنك بلغت في زحفك شواطئ الفرات، حلق وهمي في فضاء النهر الزاخر، وطغت هواجسي، فلعنتك وأسرفت في اللعن، وإذا قيل لي أن قيصر وطئ البوادي سرب خيالي على الرمال وقذف فمي البغض والحقد وإني لأقسم لك أن بغضي في احتدامه وثورته مقتبس من سموم الرياح الهوج ساعة ترتمي على الرمل فتذروه في كل فضاء! فإذا قيل لي انك نزلت في منازل عدوك عند المدن الوارفة الظل نزل بي شعوري حيث أنت ورفعت صورتي لأمنعك من غناء جندك الظافر، وهكذا كنت اتبع ظلك وأترسم خطوك وأنا في القرية المتواضعة فالحق بك إلى الأنهار والرمال وإلى المدن حتى اطل شبحك على المدينة المقدسة وسمعت عزيف أبواقك ولم يفتني صليل سلاحك فجفوت مكاني في (عين كارم) وجئت (بيت لحم) فدعوت عليك ورافقت موكبك إلى الكنيسة (القبر المقدس)، وما زلت ارقب خطوك حتى خلت الكنيسة من المصلين والزائرين، وحتى رأيتك تنحدر إلى محراب القديسة هيلانة فسبقتك إليه ووقفت مع رفاقي في الألم والعذاب انظر بعيني قلبي إلى نفسك السائلة على الحوائط