فمه ليتكلم فما خرج لسانه على شفتيه، فأومض بيديه كأنه يريد أن يسأل العامدة عن رفاقها ففطنت إلى أمره وقالت له:
- هذه الصغيرة التي ترى هي ابنتي وقد أسميتها (مارية) تحبباً إلى مريم والدة السيد المسيح، ولقد تسألني عن أبيها، ألا فاعلم يا مولاي أن أباها هو هذا الرجل الذي سألت نفسه على حوائط الكنيسة في هذه الليلة القمراء! واسمه هراقليوس ومكانه في قصر (الشالسيه) عند شاطئ البحر الأزرق في القسطنطينية! فانطلق لسانه ساعة رن في سمعه اسم مارية وأثنى صائحاً:
- ابنتي! ابنتي! فقالت العمياء:
- ابنتك وابنتي معاً!. . . فقال:
- وهذا؟ فصاحت العمياء:
تقدم أيها السيد نفتالي وقل له أي رجل أنت، واحسر له عن أمر هذه الفتاة التي هي ابنتك، فتقدم ذو القروح من قيصر وكشف عن صدره سائحاً:
لعلك أيها المولى الذي تفيأ أعلام الحرب، واستمع لأناشيد النصر من شواطئ أفريقيا إلى شواطئ البحر الزاخر في بيزنطية، لم تنس ذلك الرجل السري الذي كان يجوب شطآن البحر الأحمر باسمك، ثم يفيء إلى دار ملكك وقد ملأ سفنه بطيوب الهند ونفائس عدن
كان الناس يعيدون ذكرى ليلة الميلاد، وكنت في جملة الذين آمالهم التقى والورع إلى الصلاة، وكان الناس يرون في (نفتالي) وذلكم هو اسمي البغيض الكريه، سيد بلاد الجليل في ثرائه وترفه، فحسدني الجميع، وأخذتهم الغيرة من ذيوع أمري، فلما صليت مع المصلين راحت عيناي تنظران إلى صورة للسيد الناصري، فالتقيت إليها بنجوى القلب، وسألت الرجل الذي طربت جبال الجليل لصوته أن يباركني، ثم رجعت إلى منزلي لأمضي ليلة العيد حيال طفلتي وامرأتي، وفي الصباح أحاط الجند بمنزلي وتبارى الناس في سبي ولعني، ثم خرج بي الجند إلى الميادين، وقرئ علي أمر قيصر بإحراقي، لأنني نظرت في صلاتي إلى صورة السيد، ولان هذه الصورة وجدت مطروحة على أديم المعبد، ثم استبدل قيصر التحريق بالتغريب، وألقى بي رجاله في القفرة النائية بجوار البحر الميت، وماتت امرأتي من الألم والغم، وعاشت ابنتي عيشة لا تشرف حياتها!. . . هذا هو