للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عصا مشقوقة، ويعود بالجواب في مساء اليوم التالي، فكأنه قطع مسافة ١٦٠ كيلو متراً في ست وثلاثين ساعة. وفي المرة الأولى كنت عظيم الدهشة والحيرة، إذ بينما كنت أنتظر من الرجل أن يلهث أمامي من الإعياء إذا بي أراه بعد ساعة يشترك في الرقص دون أن تظهر عليه دلائل التعب. ومما يبعث على العجب أن أولئك الرجال يقومون بهذه الرحلات الشاقة وطعامهم حفنة من القمح وسيقان من الذرة يقتلعونها أثناء الطريق ويأكلونها أثناء جريهم، أما نساء بعض الأقاليم فهن يقطعن كل يومين مسافة ٣٥ أو ٤٠ كيلو متراً تقريباً حاملات على ظهورهن حملاً يبلغ خمسين كيلو، وذلك لقاء ثمانية أو عشرة قروش، أو ما يعادل فرنكين وخمسين سنتاً تقريباً، وعندما يعرض عليهن في منتصف الطريق شراء ما يحملن بالثمن الذي سيبعن به في دير الداؤوا يرفضن خشية أن يفقدن بذلك نصف قرش. وأولئك التاجرات اللواتي لا يتعبن هن اللواتي يصحبن الجنود في غزواتهم، فالجيش تمده ذخيرة من النساء فيسهلن له أكلاف الحياة الضرورية، ويحملن أدوات المنازل المتنقلة. وحالة الجيش المعنوية تكون دائماً على جانب عظيم من القوة، والجندي لا يعرف نظام المعسكرات، وهو يحيا حياة كاملة الحرية، فينزل في أي مكان كأنه في داره الخاصة؛ والإنجليز والطليان يعرفون بالتجربة القيمة الحربية للشعب الحبشي: يعرفها الإنجليز منذ الاستيلاء على مجدلة وإخلائها عام ١٨٦٨، ويعرفها الطليان منذ هزيمتهم في دوجالي عام ١٨٨٧، وفي عدوه عام ١٨٩٦)

وعواطف هذا الشعب من نوع شجاعته أثناء العمل وأثناء القتال، وهي ترجع إلى تمسكه الشديد بالعوائد والمعتقدات، وقد دخلت البلاد مع الديانة المسيحية منذ القرن الرابع. ويروي أن القس فيليب الذي كان من أوائل المبشرين المسيحيين هو الذي نصر رئيس خدم أميرة حبشية (ففتح بذلك في الحبشة السبيل للديانة المسيحية). ومن المعلوم أن القرن الخامس كان شديد الاضطراب بسبب المسائل الدينية، إذ قامت المناقشات حول مريم إن كانت أم الله أو أم المسيح فقط. كما أن مجلس إفيز الديني طرد نسطورياس الذي دامت هرطقته وانتشرت حتى يومنا هذا. وفي نفس ذلك الوقت أعلنت عدة مجالس دينية على التوالي إيمانها أو إنكارها لطبيعة السيد المسيح الواحدة أو المزدوجة. وقد أعلن مجلس ال٤٥١ عداوته لفكرة طبيعة السيد المسيح الواحدة، واستند المعلنون في قرارهم إلى الكنيسة

<<  <  ج:
ص:  >  >>