للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدين شديد النفوذ عظيم القوة، حتى أنهم يمتلكون جزءاً كبيراً من الأرض المزروعة وقرى بأكملها، وعلى حسب العرف الجاري في البلاد ينال المالك خمس محصول الأرض، ومن ذلك يستطيع المرء أن يتصور المعارضة التي يصادفها مشروع يرمي إلى تغيير نظام مضت عليه أجيال طويلة. وكل حياة الأحباش تقوم على الأيمان بالمعجزات وتقديس القديسين والملائكة وعلى الفرائض الدينية: كالاعتراف بالخطايا والصيام القاسي والغفران، والحج إلى بيت المقدس واجب يكفر عن الذنوب. وقد أخذت الديانتان المسيحية والوثنية يؤثر تدريجياً بعضهما في بعض، فديانة قبائل الجالا الأفريقية الأصل قد تأثرت بالمسيحية. ومع ذلك فقد تأثرت أيضاً الديانة المسيحية القبطية بالخرافات والسحر، وقد امتزج الإيمان بآله إبراهيم والمسيح بضروب الإيمان التي كانت شائعة قبل التاريخ، كتعظيم الماء والأمواج والغابات والأشجار المقدسة والشمس، وفي الوقت الحاضر يتقدم الدين الإسلامي في الحبشة كما يتقدم في كثير من البلاد الأفريقية

وهكذا نرى الحبشة تبدو حكومة من حكومات القرون الوسطى التي كان يحكمها الكهنة نيابة عن الله. فهناك لا يمكن أن يحدث شيء لا يريده رجال الدين، والحاكم الذي يأمل في السلطة العليا يجب أن يتأكد قبلا من تأييدهم ومعونتهم. على أن الدهماء ورجال الدين الجهلاء يستفيدون من تلك المدينة القديمة التي يمكن أن يقال إنها بدائية وفي نفس الوقت مهذبة. فمبدأ الصدقة المسيحية قد تغلغل في أعماق الغشاء الكثيف الذي يغشى القلوب. حتى أن فضيلة إعطاء الصدقات التي كانت واجباً أضحت غريزة. وهذه المدينة الدينية القديمة تنتج رجالاً أكفاء. ولقد روى مسيو دو مونفريد فقال: (عندما بلغنا قمة الهضبة قدم إلينا رجل حبشي تغطى رأسه عمامة بيضاء كالتي يلبسها الرهبان. كان وجهه دقيق التقاطيع عليه مخايل المهابة والهدوء. وكان هذا الوجه طويلاً مسنوناً تطفر منه نظرة تائهة شاردة. وقد تناول يدي بحركة لا شعورية كأنه أحد أصدقائي. لقد كان ذلك الرجل هو الراهب حنا ممثل الكنيسة والحارس للأمير المخلوع. وكانت عباءته من الكتان الغليظ، وكان عاري القدمين، لكن يده كانت ناعمة رقيقة. وكان يتكلم بصوت منخفض لكنه مؤثر. ونظراً لأني أعرف إلى أي حد يتمتع رجال الدين الأحباش بقوة تختفي وراء ما للأباطرة من مظهر السلطان، فقد دهشت دهشة عظيمة لذلك المظهر المتواضع الذي يبدو به ذلك الرجل

<<  <  ج:
ص:  >  >>