طوع يديك، فمرني بالذي تريد، وارم بي حيث شئت من الأرض)
وحزم أدواته ومكرسكوباته، وحزم ثلاثة أعوان نشيطين من خلصائه ومريديه، وحزم كذلك أولاده، ومدام بستور - تلك المرأة الصبور التي لم تكن تشكو أبداً - وسافر بهذه الحمولة كلها إلى حيث الوباء يفتك بالملايين من دود القز، ويفقر الألوف من الخلق في جنوب فرنسا. وبلغ (ألياس) فأخذ يتعلم هناك أن دودة الحرير إن هي إلا دودة كالديدان تغزل حول نفسها ثوباً من الحرير يعرف بالشرنقة، وأنها تتحول إلى يرقة داخل الشرنقة، ثم إلى فراشة ترفض ثوبها الحريري فتخرج عنه فتتسلق الشجر وتبيض البيض، وهذا يتفقس في الربيع التالي عن جيل جديد من دود جديد. واستاء رعاة الدود من جهله الفاضح. وذكروا له أن المرض الذي يصيب دودهم يعرف بالندوة، وأنه يتراءى على الدود في صورة بقع صغيرة سوداء كالفلفل. ووجد بستور هناك مئات من النظريات تدعى كلها تفسير هذا المرض، ولم يجد من الحقائق الثابتة غير اثنتين، أولاهما تلك البقع السوداء التي تظهر بظهور المرض، وثانيتهما كريات صغيرة تتكون داخل الدودة، صغرت حتى لا ترى إلا بالمجهر
وقبل أن يستقر في مهبطه الجديد، وقبل أن تستقر أسرته في بيتها الجديد، كشف عن مجهره وأخذ يحدق في باطن هذا الدود المريض، ولا سيما في تلك الكريات، وخرج سريعاً على أن هذه الكريات عرض ثابت من أعراض الداء. وبعد خمسة عشر يوماً من حلوله بـ (ألياس) دعا إليه أعضاء اللجنة الزراعية وقال لهم: (عندما يحين أوان اللقاح، ضعوا كل أنثى وذكر وحدهما، ثم اتركوهما لينسلا وتبيض الأنثى، فإذا خرج البيض فافتحوا بطنيهما وأخرجوا من تحت الجلد شيئاً من شحمه، وانظروا إليه بالمجهر، فإذا هو خلا من تلك الكريات فاعلموا أن هذا الزوج من الدود سليم، وأن بيضه سيفرخ في الربيع المقبل دوداً سليماً
ونظر الريفيون إلي المكرسكوب وهو يلمع وقالوا: (نحن الزراع لا نعرف كيف نعالج مكنة كهذه). وكان في قلوبهم ارتياب وكان فيها قلة إيمان بهذه البدعة الجديدة، فعندئذ تراجع عنهم بستور العالم، وتقدم إليهم بستور الداهية الخبير بأهواء الرجال، فقال لهم: (حسبكم! حسبكم! واخفتوا أصواتكم حتى لا يتناقل الناس هذه الفضيحة عنكم! كيف تعجزون يا