الأرض عله يجد قراراً فلا يجد قراراً. واختلط عليه أمر هذا الدود، فقد كان يقع أحياناً على نسائل تسرع في تسلقها عيدان التوت وتأخذ في نسج شرانق جميلة فيأخذ منها أفراداً للتشريح وينظرها تحت المجهر فيجدها مليئة بتلك الكريات التي كان يحسبها دليل الداء. وأحياناً أخرى كان يقع على نسائل أخرى من الدود سقيمة لا تكاد تهم بالصعود إلى أفرع التوت، حتى يعتريها إسهال غازي ثم تنضمر فتموت، فهذه أخذ منها أفراداً للتشريح ونظرها تحت المجهر فلم يجد فيها من تلك الكريات شيئاً. فأخذ بستور يتشكك في اعتبار هذه الكريات عرضاً من إعراض الوباء. وزاد الطين بلة والحالة سوء أن دخلت الفئران إلى دوده الذي كان يجري عليه تجاربه فاستطعمته فالتهمته، وأخذ أعوانه الثلاثة المساكين (ديكو) و (مايو) و (جرنيه) يسهرون الليل بالتناوب على حراسة الدود واصطياد الفئران. وقد يطلع الصباح فلا يكاد ينصرف كل إلى عمله، حتى تظهر السحب في الغرب قائمة، فيترك كل عمله ويهرول إلى شجر التوت يغطيه من المطر. وكنت ترى مدام بستور في أعقابهم والأطفال في أعقابها. وبستور المتعب المجهود كان لا يستقر في المساء في كرسيه الكبير المريح حتى يأخذ في إجابة رعاة الدود المناكيد الذين خسروا كل شيء باتباعهم طريقته في تصنيف البيض
ومضت أشهر طويلة ثقيلة على هذه الحال، جاءته بعدها غريزته تحضه على التجريب، والقدر يمهد له سبيل الخلاص، قال لنفسه:(أنا على الأقل نجحت في الحصول على بعض نسائل من الدود صحيحة سليمة، فإذا أنا غذيتها على ورق التوت بعد تلويثه بإفرازات الدود المريض، فهل يا ترى تموت هذه النسائل السليمة أم تمرض وتذهب؟!). وفعل هذا فماتت النسائل يقينا. ولكن غاظه أن التجربة لم تأت بكل الذي حسبه، فبدل أن يتغطى الدود بنقط كالفلفل سوداء ويموت بطيئاً في خمسة وعشرين يوماً كما يفعل الدود المريض بهذا الوباء، إذا به يتقوس وينضمر ويقضي في اثنتين وسبعين ساعة. واغتم بستور وناله اليأس فأوقف التجربة، وخاف عليه إخوانه الخلصاء مما هو فيه، وودوا لو أنه يعيد هذه التجربة مرة أخرى