للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وغابت الشمس؛ ولكن العاصفة ما برحت تزداد شدة وعنفواناً، والبرق ما فتئ يطوي السماء، وكان كلُّ شيء ينذر لياندر بسوء المنقلب؛ ومع ذاك فقد نهض غير مستيئس، وقصد الهلسبنت فوقف بشاطئه يبتسم للأهوال التي يضطرب بها بطنه، ثم لمح الضوء ينبعث من كوى الكوخ. . . فخلع ملابسه، وبدأ رحلته. . .

وكانت فينوس لا تنظر ولا تلهو. . .

لأنها كانت عند حبيبها أدونيس الراعي الجميل تستمتع به، بعد إذ فضحها أبوللو في حبيبها مارس.

ولم يبل لياندر من البحر ما بلا هذه الليلة. . . فلقد كان الموج كأنه ألواح من الثلج تتكسر على ظهر الفتى المسكين، وتصدع ذراعيه، وترتطم برأسه. . .

ولقد كان الماء هذه الليلة كأن شيئاً من الصبر قد ذاب فيه؛ بعد إذ كانت ملوحته تستحيل شهداً في فمه، وعسلاً مصفى!

ولقد كان البرد ينهمل من السحب القاتمة والصقيع يساقط كندف القطن الأبيض، فيعلق بشعره لياندر، وينسج فوقه قلنسوة - ولا نقول تاجاً؟. . - من برودة الموت. . .

وجاهد العاشق. . .

وسبح باسم هيرو بين موج كالجبال، وليل كله ظلمات وا أسفاه!!

لقد نظر المسكين إلى البرج يتزود من نوره، ولكنه لم يرَ الشعاعة تتألق كما عوَّدته. . .

لقد أطفأنها الرياح الهوج فأطفأت في قلبه بصيص الأمل. . واستولى عليه خور الفجر السابق، ودهاه القنوط في عضلاته، فيئس منها جميعاً. . . وضاعف النكبة شرقة بالماء حين أراد أن يهتف باسم هيرو. . .

فغاص!. . .

ولفظه أيم جثةً هامدة. . . ثم ابتلعه ثم لفظه. . .

ثم انتصف الليل، وهيرو المشوقة حاملةٌ مصباحها الخافت، بعد إذ أشعلته ثانية، ولكن الساعات تمضي. . . ولا يصل لياندر. . .

وتنفس الصبح، فسارعت الراهبة الهيمانة إلى البحر، وحملقت في الماء. . . فأبصرت الجثة الحبيبة ترتطم بأصل البرج، كأنه حنين الجسم إلى أحلام الروح. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>