وفصل لياندر، وأطلت هيرو من الكوَّة الصغيرة تنظر إليه وهو يداعب الموج والموج يداعبه، والزبد يلبسه ويخلعه. .
وفينوس تنظر وتلهو. . .
أشرقت الشمس وتوارت، وأقبل الليل وتنفس الفجر؛ وعصفت الريح أو هبت رُخاءً، والتمعت الشعلة تضيء للعاشق ظلمات العباب. . . واطمأن البحر إلى صاحبه حتى خاله أيسر من ظهر الأرض، فكان يطويه إلى مُنية نفسه وهويَّة قلبه في كلُّ موعد منتظر، ثم يؤوب على متنه حين ينصدع عمود الظلماء، وكأنه يمتطي من ظهور الموج الصافنات الجياد. . .
وكان فجراً شاتياً يكاد سنا برقه يخطف الأبصار، وزمزمة رعوده تهد جوانب الأفق، وكان البحر يتقلب ويرتعد كأنه زلزلة تأخذه من أعماقه، فأوجست هيرو خيفة على حبيبها، وتعلقت به، وراحت تغمره بالقُبل متوسلة ضارعة، ترجو منه أن يبقى بجانبها ولا يجازف بحياته في هذا اليم المصطخب، وهي تدبر له مخبأ يأويه ذلك اليوم، حتى تسكن العاصفة، وينام الماء. . .
وثارت النخوة في نفس لياندر، وشاعت الكبرياء في جسمه القوي المفتول، وأنف أن يجبن أما الطبيعة الساخطة الضبى، فطمأن هيرو واحتملها كالحمامة في يديه الجبارتين، وطبع على شفتيها المرتعشتين قبلة تجمعت فيها روحه كلها؛ ثم انفتل من بين ذراعيها الضعيفتين، وهرع إلى البحر فخوض فيه، ملتفتاً بين برهة وأخرى البدر الصغير المشرف عليه من الشاطئ. .
وفينوس البارة تنظر من الأولمب وتلهو. . .
وأحس في منتصف الطريق برعشة وإعياء، ولكنه كان يهتف باسم هيرو مرة، وباسم فينوس أخرى، فتنشط الثمالات القليلة الباقية من قوته الفانية. . . ورثت لحالة ربة الحب، فنفخت في ذراعيه المجهودتين حتى وصل إلى شاطئ ابيدوس مهدوداً محطماً. . . وتهالك على نفسه، فوصل إلى منزلة، وأوى إلى فراشه ليحلم بالموت المحقق الذي نجا منه منذ ساعة. . .