للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عن عينين يقرأ فيهما هذا الغبي في طلاقه وسهولة معاني الجمال، ومن معانيه الحلاوة والرفق والبشر. ثم هذا فمها الصغير ينفرج عن كلمات يدرك الفتى الأبله ما صيغت فيه من جمال في اللفظ وعذوبة في الجرس:

- (لم ترمقني هكذا؟ أرجو أن تنصرف عني. يفزعني مرآك)

- قال الفتى: (لا أتنحى، بل لا أستطيع)

ودار بينهما حوار أنتهي عند الفتى فلم يغادرها حتى أبلغها دارها.

ثم أرتد إلى أبيه وقد فهم اليوم معنى من أدق معاني الحياة. ولم يكن قبل اليوم يفهم أن للحياة معنى. قال: (يا أبتِ إنني أود أن أحيا حياة الرجل المهذب، ولقد برمت بحياة المتأبدين)

كان عجباً للوالد أن رأى أبنه يفكر ويصيب في التفكير، ويريد ويحسن الإرادة، ويتكلم ويجيد التعبير، في صوت رقيق، ولفظ رفيع

وألبسه ثياباً تليق بقدر أسرته ومكانتها وبعث به إلى المعلمين والمهذبين فقضى بينهم أربعة أعوام كان الحب فيها قوام تهذيبه وعنصره المستساغ، فما أوفى الفتى على نهاية الأعوام الأربعة حتى كان أكمل فتيان الجزيرة أدباً وأحسنهم خلقاً

وخطب الفتاة إلى أبيها وكانت تدعى (ايفيجينا) ولكن أباها أعتذر أن كانت الفتاة مخطوبة إلى الفتى (باسيمونداس) من أشرف أسر رودس وأعرقها مجداً وإنهما نجز الزفاف.

وجم الفتى وضاق الكون في عينيه، وأصرها في نفسه ليصرحن للفتاة بحبه، وليشهدنها على هذا الحب وفعله في نفسه، وليطعنها على ما خلق الحب منه من خلق جديد، وما يستشرف إليه من سعادة ترفعه إلى مقام الآلهة وعظمتهم إذا نعم منها بالزواج؛. .

(إما أن تكون الفتاة لي أو أكون من الهالكين)

وسار إلى أترابه من الفتيان الأشراف الأوفياء وائتمر معهم على أن يصنعوا سفينة قد استكملت عدتها من آلات الحرب والقتال، وتربص بها للسفينة التي تقل الفتاة إلى رودس مع زوجها باسيمونداس. فما أشرفت هذه عليها حتى رمى عليها مجذاباً ضمها إلى سفينته، وكان أول من ألقى بنفسه بين أعدائه وساقهم إلى الحرب ورداً حتى ألقوا سلاحهم واستسلموا خاضعين. قال لهم الفتى: (ما قصدت إليكم أبغي سلابكم ولكن لأنال هذه الفتاة

<<  <  ج:
ص:  >  >>