للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واعتبر ذلك بالمرأة تدرس وتتعلم وتنبغ، فلو انك ذهبت تمدحها بوفور عقلها وذكائها، وتقرضها بنبوغها وعبقريتها، ثم رأتك لم تلقي كلمة ولا إشارة ولا نظرة على جسمها ومحاسنها لتحول عندها كل مدحك ذماً وكل ثنائك سخرية، فإن النبوغ هاهنا في أعصاب امرأة تريد أن تعرف مع أسرار الكون أسرار كونها هي، هذا الكون البدني الفاتن أو الذي تزعمه هي فاتنا، أو الذي لا ترضاه ولا ترضى أن تكون صاحبته، ألا إذا وجدت من يزعم لها أنه كون فاتن بديع مزين بشمسه وقمره وطبيعته المتنضرة التي تجعل مسه مس ورق الزهر

مثل هذه إنما يكون الثناء عليها ثناء عندها حينما يكون اقله باللسان العلمي ولغته، وأكثره بالنظر الفني ولغته. وهذا على أنها عالمة الجنس ونابغته، ودليل شذوذه العقلي، والواحدة التي تجيء كالفلتة المفردة بين الملايين من النساء؛ فكيف من دونها، وكيف بالنساء فيما هن نساء به؟

دع جماعة من العلماء يمتحنون هذا الذي بينت لك، فيأتون بامرأة جميلة نابغة فيضعونها بين رجال لا تسمع من جميعهم ألا: ما اعقلها، ما اعقلها، ما اعقلها! ولا ترى في عيني كل منهم من أنواع النظر وفنونه إلا نظرة التلميذ لمعلمة في سن جدته. . فهذه لن تكون بعد قريب إلا في حالة من اثنتين: إما أن يخرج عقلها من رأسها، أو. . . أو تخرج في وجهها لحية. . .!

(ما أعقلها!) كلمة حسنة عند النساء لا يأبينها ولا يذممنها، غير أن الكلمة البليغة العبقرية الساحرة هي عندهن كلمة أخرى هي: (ما أجملها!)، إن تلك تشبه الخبز القفار لاشيء معه على الخوان، أما هذه فهي المائدة مزينة كاملة بطعامها وشرابها وأزهارها وفكاهتها وضحكها أيضا

وكأن العقل الإنساني قد غضب لمهانة كلمته وما عرها به النساء، فأراد أن يثبت أنه عقل فاستطاع بحيلته العجيبة أن يجعل لكلمة (ما أعقلها) كل الشأن والخطر، وكل البلاغة والسحر عند. . . عند الطفلة. . . تفرح الطفلة اشد الفرح، إذا قيل: ما أعقلها. . .!

فقلت لمحدثي: كأنك صادق يا فتى! لقد جلست أنا ذات يوم إلى امرأة أديبة لها ظرف

<<  <  ج:
ص:  >  >>