جسم الفراش المريض اغتصاباً حتى تعم نواحيه. وإنما كان خطانا الأول لأننا طلبنا هذه الكريات في جزء صغير من جسم الفراش فنظرنا تحت جلد البطن وحده، أما الآن فلابد من سحق الفراش كله وفحصه من بعد ذلك، فإذا نظرنا بالمجهر إلى سحيقة فلم نجد به تلك الكريات المجهرية حكمنا بسلامته واتخذنا بيضه للتفريخ في الربيع المقبل)
وتفرق رجال اللجنة واتبعوا تعاليم بستور فنجحت التجربة، ودار العام فأفرخ البيض دوداً صحيحاً قوياً نامياً أعطاهم غلة من الحرير وافرة
استيقن بستور أن هذه الكريات الطفيلية سبب الداء وأنها لا تنشأ داخل الدود، وإنما تأتيه من الخارج. فطاف في الريف يعلم الناس كيف يمنعون نسل الدود السليم من أن يمس أوراقا مسها دود سقيم، وبينما هو في هذا أصابه نزيف في المخ فكاد يموت. ولكنه سمع أنهم أوقفوا بناء معمله اقتصاداً وفي انتظار موته، فأغضبه ذلك وأصر على أن يعيش. فشل أحد نصفيه شللاً لم يشف منه تماماً في مستقبل أيامه، ولكنه قرأ كتاب الدكتور (سمايلز) في الاعتداد بالنفس، فاعتزم اعتزاماً قوياً أن يعمل بالرغم من عجزه، فبدل أن يرقد في فراشه، أو يستشفي على البحر، نهض في عسر على قدميه، وحجل إلى القطار، وسافر إلى جنوب فرنسا وهو يصيح غاضباً:(إن من الأجرام القعود عن تخليص الدود من الوباء، بينما الكثير من أربابه يطلبون القوت فلا يجدونه) فاعجب به الفرنسيون وأكبروه إلا نفراً قليلاً يحبون الأذى؛ فهؤلاء قالوا: إنما صيحة قصد بها الدعاية لنفسه لا لخير الناس
وقضى بستور ست سنوات يجاهد أدواء هذا الدود المسكين، فإنه لم ينته من علاج ندوته حتى ظهر به مرض جديد، ولكن بستور كان قد درب على هذا النوع من البحث فكشف عن مكروب الداء سريعاً، وجاءه دوماس الشيخ يشكره وقد امتلاءت عيناه بالدموع. وتحث عمدة (إلياس) عن إقامة تمثال من الذهب لبستور العظيم
- ٧ -
وبلغت سنة الخامسة والأربعين، فاخذ ينعم حيناً بالمجد الذي كسبه من تخليص صناعة الحرير مما حاق بها، وذلك بعون الله وعون (جرنيه). ثم رفع عينيه إلى مجد أسمى، وأمل اسنى، وحلم مستحيل براق، حلم من تلك الأحلام التي ارتأتها نفسه الشاعرة، حلم من تلك الأحلام المستحيلة التي لا تضن الأقدار ببعض تحقيقها أحيانا؛ نعم رفع عينه الفنانة من