للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أدمغتهم حينما رأوا أن الصغير، المنبطح على ظهره يضرب بظهره ها هنا وها هنا، قد قضى على الحيتين العظيمتين وألقاهما ضحيتين غير مباركتين على مذبح قوته الخرافية!!

وقدمت الكمين إلى صدرها الهائل! فرحة مستبشرة، وطبعت على جبينه الضاحك قبلة حملت أسمى معاني الأمومة

وذهلت حيرة عندما سمعت بما صنع الغلام بشيطانيها، وأيقنت ألا سبيل إلى القضاء عليه، ولكنها لم تيأس، وأقسمت أن تنثر الشوك في مستقبله القريب، وثبت العراقيل في حياته الجائية

وشب هرقل. . .

ونشأه مؤدبه، شيرون، زعيم السنتور، تنشئة حربية حافلة، ولقنه كل ما تحتاج إليه حياة الفرسان من تقشف وخشيشان؛ فمهر هرقل في زمن قصير في استعمال الأسلحة بأنواعها، ونبغ في جميع صنوف الرياضة والعاب الفروسية والقوى وكان شيرون نفسه يعجب بهذا الجسم الحديدي، يمسكه العضل البارز، ويزينه الكيان المفتول. . . وكان إذا أراد تدريبه على المصارعة والعاب القوة، آثر أن يشركه في نزال مع الثيران والعجول، والضخم ذو الأيد من بهيمة الأرض. وكان هرقل لا يخشى شيئاً من خصومه العجماوات، بل كان يقبل على مصارعتها بثغر بسام وقلب طروب، فلا يدعها معفرة بالتراب! وخشيته الحيوانات جميعاً، فكانت تجفل من طريقه كلما رأته مقبلاً نحوها، لطول ما جربت من بطشه وشديد بلائه!

وكان الفتى كلما ازداد قوة، وذاب الحديد في عضلاته، ازدادت حيرا تغيضاً وهاجت في فؤادها الأحقاد!

ولم تعد تطيق صبراً على هذا الخصم العنيد، ومادت بها الأرض، وأصبحت كأن يعاسيب العداوة تظن في رأسها تغريها بهرقل، ومن يلوذ بهرقل، فانطلقت إلى زوجها ولم تزل به حتى اصدر إرادة أولمبية تقضي أن يصبح هرقل خادماً لابن عمه، النذل الخسيس، يوريذوس أمير ارجوس، وأن يظل في خدمته بضع سنين. . .

وانتهى هرقل من تلمذته على شيرون وانطلق يكابد كفن قاس ملئ بالرغائب، مفعم بالمجازفات. فبينما كان يعبر طريقاً معروشاً بفروع السنديان، بين غابتين عظيمتين، إذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>