للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غانيتان جميلتان تعترضانه وتأخذان على سبيله. . . فأشاح عنهما، يحسبهما من المسكينات ملفوظات البغاء، أو من أولئك اللائى يتخذن الفسوق حرفة قذرة إلى عيش وضيع. ولكن الفتاتين تشبثا به، وأبتا إلى أن يقف معهما هنيهة، يتخير منهما واحدة تكون رائدته في هذه الحياة، تهديه وترشده وتأخذ بيده في سبلها المتشعبة

وكانت إحدى الفتاتين، (كاكيا)، شيطان الأثم، وإبليس الفجور في هذه الأرض. فتقدمت إليه متبرجة متهتكة، تغمز بهذا الطرف، وتبسم بذاك الثغر، وتهز ما سكن من الجيد، وتمط ما أشرب من العنق، وتحسر عن الساقين، وتكشف عن الذراعين، ثم هي تقرقع بضحكات مخنثة تثير الاشتهاء في نفس الشاب، وتستولي بها على مشاعره: (أنا، حبيبتك كاكيا، أجمل غادات هيلاس ومفتحة الورود في خدود العذارى، أضع قلبي وجسمي بين قدميك يا هرقل العزيز، مطية إلى الفردوس التي تجد فيها ما شئت من نعيم وما تمنيت من لذة. . . فاتبعني اجعل الدنيا كلها من حولك سعادة، وأصير طريقك أني ذهبت في الحياة منضورة بالورد، زاهرة بالرياحين. . . هلم ألي نحي حياة كالحلم، بعيدين من عناء العالم، نائمين عن شقاء الدنيا، لانفتح عينينا إلا متعة، ولا نرهف سمعينا إلا لموسيقى، ولا نغلق قلبينا إلا على نعيم. . .

مالك ولشد اربداد وجه الحياة يا حبيبي هرقل؟ إن الدنيا فرصة سانحة فانتهزها، وان العمر قصير ألا تلق به بخوراً في نار البأساء، وأن الأيام لتخب بنا دون أن نشعر بها، فلم نحاول أن نلبسها بالجد فيها هذا اللبوس الأسود الحزين القاتم؟ ولم لا نرسلها في وشي وافواف، لم لا نسمع دائماً لما توحيه ألينا قلوبنا ونفوسنا ما دامت الدنيا مخلوقة لها؟ لم تطرق هكذا يا حبيبي؟ أمتعب أنت؟ هات رأسك إذن، ودعه ملقى على صدري الجميل الخصب. . .)

ولكن الفتى نفر نفرة بادية، وأرسل نظرة فاحصة إلى (اريتيه)، الفتاة الأخرى، التي كانت تقف عن كثب، مصغية إلى حديث كاكيا، مشفقة على الشاب المسكين. أما اريتيه هذه فربة الفضيلة، ونفحة السماء، وهادية البشر ومنقذتهم من شرور كاكيا. . .

وسألها هرقل: (وأنت أيتها الفتاة، بم تشيرين؟) وقالت اريتيه، وهي تكفكف عبرة غالية: (انا؟ لا أشير عليك بشيء أيها الصديق إلا بالحذر من هذه الغادة! أنها توشك أنا تظلك وترديك!) فغضبت كاكيا وأخذها الحنق، وأجابت في غلظة ومخاشنة: (أضله وأرديه؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>