هاها. . . وأنت أتسلكين به سبيل الفضيلة الذي زرعت أرضه قتاداً، وبرزت فيها أنياب الذئاب؟ اسمع يا هرقل، أصغ ألي يا حبيبي، دعك من هذه الفتاة المحتشمة. . إليك عنها. . . إنها تغطش حياتك لو تبعتها. . .)
وتبتسم اريتيه ابتسامة هادئة وتقول:(أن الآلهة يا هرقل قد زودتك بهذه القوة الكامنة في بنيانك لغرض أسمى من جميع الأغراض الحيوانية، وقد كان أجدى للخير العام أن تخلق ثوراً ذا خوار من أن تودع كل هذا الحديد في عضلاتك، لو لم تكن قد أعدتك لفعال جسام لن يؤديها غيرك. اجل! أن طريقي لا ينمو بها غير الشوك، وأنها تدمي الأقدام وتجهد السائرين، ولن ترى فيها زهرة ولا ريحانة، بل لن تسمع بها عصفوراً يغني ولا بلبلاً يغرد، وبالعكس، قد تقتتل فيها مع السباع والضواري والثعابين، ولكنك في أخر كل نصر، وعقبى كل ظفر، ترى جنة من الرضى تحفك بالزهر، وترقص بين يديك بالغواني والقيان. أما هذه. أما ما تغريك به هذه الأنثى الهلوك، ففيه حتفك، فحذاري. وليس احب إليك كرجل كان له الشرف أن يكون ابن إله من أن تثبت للإله انك جدير بما انتدبتك له)
وسكتت اريتية ولكن كاكيا لبثت تدل وتتيه وتتبرج تحاول الفوز بهذا القنص العزيز. غير أن نخوة الرجولة ثارت في قلب هرقل فانتهر الغانية الغاوية واغلظ لها ثم تقدم إلى اريتية فتناول يدها الصغير الحلوة وطبع عليها قبلة تفيض وقاراً واحتراماً ثم قال لها بصوت متهدج خافت:(هلمي بنا يا فتاة فلن أخشى في سبيلك بأساً ولا رهقا)
وانطلقا. . . وغابا في ظلام الغابة. . .
ولم يبرح هرقل معينا للضعفاء مغيثاً للملهوفين إذا رأى مظلوماً انتصف له من ظالمه وإذا لقي جائعاً نزل له عن زاده؛ ولم يبرح ينصر الفضيلة أنى سار، ولم تبرح الفضيلة تمشي في أثره أيان، ولى حتى ضاقت الدنيا بحيرا ولم تعد تحتمل هذا الغار من المجد يكلل هامة خصمها العظيم، ولاسيما بعد أن اتصل بالملك كريون ملك طيبة وزواجه من ابنته الجميلة ميجارا
لقد أحب هرقل زوجته حباً جما وأحبته هي كذلك وأخلصت له وكانا يذهبان إلى الغابة القريبة يتناجيان نجوى الحب ويرشفان كؤوس الهوى ويعودان مع الأصيل فيسامران الملك الشيخ ويدبران معه أمور المملكة. ثم مكرت حيرا مكرها!. . .