يتدافعان إلى الردى برز من بين النظارة لص هصور وقال:(لقد رأيت هذين الرجلين يدفع أحدهما الآخر بما وسعه من الجهد عن حياض الردى، فما وجدت خيراً من أن أعترف لك يا سيدي القاضي بكل شيء فأريحك وأنقذ الرجلين وأريح نفسي. ما شأن تيتوس - وهو على ما علمتم من الشرف - وما سدة اللصوص يأوي إليها أو يتخذ إليها السبيل؟ وهذا الرجل ذو الثوب الخلق كان حقاً في إحدى زوايا الكهف نائماً، ودخلنا الكهف أنا وزميل لي ونزغ الشيطان بيننا فاختلفنا في قسمة الأسلاب - واللصوص كما تعلمون تدب بينهم الشحناء لخير العدالة والقضاء، ففضضت النزاع بأن سلت مديتي وأزهقت روح زميلي كما أسل اليوم لساني لأنقذ روحيّ هذين السيدين)
هذا خصم ثالث يطالب بنصيبه في الموت كاملاً، فما أشد حيرة القاضي ووجوم النظارة!
ورجع القاضي إلى ملاذ القضاة، وهو أوكتافيوس قيصر، أمير البلاد، ودفع إليه بثلاثة الرجال، فألقى السمع إلى حديثهم وعرف ما كان من أمر تيتوس وجيزيبوس منذ جمعت بينهما الصداقة، وفرق بينهما الحب، وجمعتهما الأقدار، إلى أن مثلا في مجلسه فقضى بحكمه العادل ببراءة الصديقين، والعفو عن اللص المعترف إكراما المعترف إكراماً لهذه الصداقة وإكباراً لنفسه الأبية
وخلا الصديقان أحدهما إلى الآخر في قصر تيتوس، ولما اطمأن بهما المجلس نزل تيتوس عن نصف ثروته إلى صديقه وزوجه من أخته وكانت فتاة بارعة الحسن نبيلة
واقدموا جميعاً في القصر، وزادهم الله بسطة في الرزق، وسعة في العيش.