ولكن بهموم بعضها الحزن، إنك صنعت لي بكاءً ودموعاً وتنهدات، وجعلت لي ظلاماً منك ونوراً منك، يا نهاري وليلي. ترى ما أسم هذا النوع من الصداقة؟
اسمه الحب؟ لا
اسمه الكبرياء؟ لا
اسمه الحنان؟ لا
اسمه حبك أنت، أنت أيها الغامض المتقلب. ألا ترى ألفاظي تبكي، ألا تسمع قلبي يصرخ، بأيّ عدل لك أو بأيّ عدل للناس تريد أن أحيا في عالم شمسه باردة. . . هذا قتل، هذا قتل
فكتبت إليها: إن لم يكن هذا جنوناً إنه لقريب منه
فردّت على هذه الرسالة:
أتكاتبني بأسلوب التلغراف. . . لو أهديت أليّ عقداً من الزمرد حبّاته بعدد من الكلمات لكنت بخيلاً، فكيف وهي ألفاظه؟ إني لأبكي في غمضة واحدة بدموع أكثر عدداً من كلماتك، وهي دموع من آلامي وأحزاني؛ وتلك ألفاظ من لهوك وعبثك.
ما كان ضرّك لو كتبت لي بضعة أسطر من تلغرافات روتر. . . ما دمت تسخر مني أأنت الشباب وأنا الكهولة، فليس لك بالطبيعة إلا الانصراف عني، وليس لي بالطبيعة إلا الحنين إليك؟
لا أدري كيف أحببتها ولا كيف دعتني إليها نفسي، ولكن الذي أعلمه أني تخادعت لها وقلت أن المستحيل هو منع هذا الشر، والممكن هو تخفيفه؛ ثم أقبلت أرثى لها، وأخفف عنها، وأقبلت هي تضاعف لي مكرها وخديعتها، وكان الأمر بيننا كما قالت: في الحب والحرب لا يكون الهجوم هجوماً وفيه رفق أو تراجع.
إن المرأة وحدها هي التي تعرف كيف تقاتل بالصبر والأناة؛ ولا يشبهها في ذلك إلا دهاة المستبدّين
سألتني أن أهدي إليها رسمي؛ فاعتللت عليها بأن قلت لها: إن هذا الرسم سيكون تحت عينيك أنت رسم حبيب، ولكنه تحت الأعين الأخرى سيكون رسم متهم وظننتني أبلغت في الحجة وقطعتها عني؛ فجاءتني من الغد بالبرد المفحم، جاءتني بإحدى صديقاتها لتظهر في الرسم إلى جانبي كأنني من ذوي قرابتها. . . فيكون الرسم رسم صديقتها، ويكون مهدى