منها لا مني، وكأنني فيه حاشية جاءت من عمة أو خالة. . . .
وأصررت على الإباء، ونافرتني القول في ذلك، تردّ عليّ وأردّ عليها، وتغاضبنا وانكسرت حزناً وذهبت باكية؛ ثم تسببت إلى رضاي فرضيت.
حدّثتني أن صديقتها فلانة استطاعت أن تستزير صاحبها فلاناً في مخدعها في دارها بين أهلها منتصف الليل؛ قلت وكيف كان ذلك؟
قالت إنها تحمل شهادة. . . وهي تلتمس عملاً وقد طال عليها؛ فزعمت لذويها أنها عثرت في كتاب كذا رقية من رقي السحر، فتريد أن تتعاطى تجربتها بعد نصف الليل إذا محق القمر؛ وأنها ستطلق البخور وتبقى تحت ضبابته إلى الفجر تهمهم بالأسماء والكلمات، ثم إنها اتّعدت وصاحبها ليوم وأجافت باب دارها ولم تغلقه، وأطلقت البخور في مجمر كبير أثار عاصفة من الدخان المعطّر وجعل مخدعها كمخدع عروس من ملكات التاريخ القديم، وبقي صاحبها تحت الضبابة يهمهم وتهمهم. . ثم خرج في أغباش السحر.
هكذا قالت؛ وما أدري أهو خبر عن تلك الصديقة وفلانها أم هو اقتراح عليّ أنا من (فلانة) لأكون لها عفريت الضبابة. . .؟
لم يخف عليها لذعة حبها وقعت في قلبي، وأن صبرها قد غلب كبريائي، وأن كثرة التلاقي بين رجل وامرأة يطمع أحدهما في الآخرـ لا بد أن ينقل روايتهما إلى فصلها الثاني، ويجعل في التأليف شيئاً منتظراً بطبيعة السياق. . . وإلحاح امرأة على رجل قد خلها وجفا عن صلتها، إنما هو تعرضها للتعقيد الذي في طبيعته الإنسانية. فإن هي صابرته وأمعنت فقلّما يدعها هذا التعقيد من حلّ لمعضلتها. وبمثل هذه العجيبة كان تعقيداً وكان غير مفهوم ولا واضح، وقد ينقلب فيه أشد البغض إلى أشد الحب وقد تعمل فيه حالة من حالات النفس ما لا يعمل السحر. وكذلك يقع للرجل إذا أحب المرأة فنبت عن مودته فعرض للتعقيد الذي في طبيعتها وأمعن وثبت.
رأت الجمرة الأولى في قلبي فأضمرت فيه الثانية حين جاءتني اليوم بكتاب زعمت أن فلاناً أرسله إليها يطارحها الهوى ويبثها له الحنين والتياع الحب، ويقول لها في هذا الكتاب: أنا لم أشرب خمراً قط ولكني لا أراني أنظر إلى مفاتنك ومحاسنك إلا وفي عينيّ الخمر، وفي عقلي السّكر، وفي قلبي العربدة. جعلت لي نظرة سكّير فيها نسيان الدنيا وما