في الدنيا ما عدا الزجاجة. . . ويختمه بهذه العبارة:
آه لو استطعت أن أجعل كلامي في نفسك ناعماً، ساحراً، مسكراً، مثل كلام الشفة للشفة حين تقبلّها. . .
عند هذا وقع الشيء المنتظر في الفصل الثاني من الرواية، وختم هذا الفصل بأول قبلة على شفتي (الممثلة).
قالت: هذه القبلة كانت (غلطة مطبعية) ومضت تسميها كذلك واستمرت الطبعة تغلط. . . وما علمت إلا من بعد أن ذلك الكتاب الذي استوقدت به غيرتي، إنما كان من عملها ومكرها.
وجاءتني اليوم بآبدة من أوابدها، قالت:
أنت رجعي محافظ على التقاليد، قلت لأني أرى هذه التقاليد كالصباح الذي يتكرر كل يوم وهو في كل يوم ضياء ونور
قالت: أو كالمساء الذي يتكرر وهو في كل يوم ظلام وسواد
قلت: ليس هذا إليّ ولا إليك، بل الحكم فيه للنفع أو الضرر
قالت: بل هو إلى الحياة، والحياة اليوم علمية أوربية، والزمن حثيث في تقدمه، وأصحاب (التقاليد) جامدون في موضعهم قد فاتهم الزمن، ولذلك يسمونهم (متأخرين). أما علمت أن الفضيلة قد أصبحت في أوربا زياً قديماً فأخذ المقص يعمل في تهذيبها، يقطع من هنا ويشق من هنا. .
أسمع أيها (المتأخر) وتأمل هذا الرهان الأوربي العصري أخبرتني صديقتي فلانة حاملة شهادة. . . أنها كانت في القطار بين الإسكندرية والقاهرة وكانت معها فتاة من جيرتها تحمل الشهادة الابتدائية؛ فجمعهما السفر بشاب وسيم ظريف يشارك في الأدب، غير أنه رجعيّ (متأخر). وصديقتي تعرف من كل شيء شيئاً، وتأخذ من كل فن بطرف؛ فجرى الحديث بينهما مجراه، وتركت الصديقة نفسها لدواعيها وانطلقت على سجيّتها الظريفة، ووضعت فن لسانها في الكلام فجعلت فيه روح التقبيل، ولم تبلغ إلى القاهرة حتى كانت قد سحرت ذلك (المتأخر) ووقعت من نفسه ودفعته إلى الزمن الذي هو فيه. فلما همت بوداعه سألهما: أين تذهبان؟