له ميزة ولا يجد له طعماً، وهذا بعينه ما يحدث في الأجسام، تقرب عود ثقاب مشتعل من ورق فيشتعل، وتقربه من ثلج فيذوب، وتقربه من رخام فلا يشتعل ولا يذوب، وأؤكد لك أن الرواية تعرض في السينما أو تمثل في المسرح على عدد كبير من الناس تؤثر في كل راء بمقدار لا يتفق تماماً وأثر الباقين، وأن تأثر المشاهدين متعدد بتعدد رؤوسهم. ذلك [ان الرواية وإن كانت واحدة وممثلوها متحدين فإن هناك عاملاً آخر من عوامل الوزن مختلفاً كل الاختلاف، وهو عواطف الرائي وآراؤه، وأن نتيجة التفاعل تختلف دائماً باختلاف أحد الممزوجين المتفاعلين.
إن أردت التوسع في تطبيق هذه النظرية وجدت القول ذا سعة، فالبائع الناجح في المتجر ليس هو الذي يكثر الكلام أو يقل الكلام، وليس هو الخفيف الحركة، ولا هو المهندم الثياب، وإنما هو الذي يعرف شيئاً واحداً ويتقنه وهو (قانون التفاعل) ينظر إلى المشتري نظرة نافذة فيعلم نفسه، ويعلم نواحيها، ويعرف المواضع الحساسة منه، ويعرف في مهارة نقط التأثر عنده، ومقدار الأثر، ثم يستعمل في هذا العرض والكلام وما يتفق وما درسه من نفس المشتري، وإذا بما يصدر من البائع منسب لنفس المشتري ومنفعل معها على نحو خاص، وإذا الصفقة قد تمت في سهولة ويسر، على حين إن زميله ومن بجواره لا يبيع مثل بيعه لأنه يخطأ في فهم نفسية المشتري فيتفاعل تصرفه تفاعلاً عكسياً مع نفسية المشتري، فينتج من ذلك نوع من الغضب أو نوع من الكراهية أو نوع من الغضاضة ينتهي عادة بالأعراض عن الشراء، فإن سألت كيف جهل هذا وعلم ذاك، وأين درس أحدهما ولم يدرس الآخر فنجح الدارس وفشل الجاهل؟ قلت إن هذا الدرس لا يتعلم في المدرسة وإنما يتعلم في السوق، ويتعلمه من حسن استعداده الفطري وغريزته الطبيعية، بل إن شئت طبقة هذه النظرية على كل ناجح وفاشل في الحياة، فالمدرس الناجح من استطاع أن يتعرف نواحي تلاميذه ويعرف ما يلقى وما لا يلقى، وما يقال وما لا يقال، ويصدر منه ما يتفاعل وهذه النفوس، فيصدر من ذلك التفاعل عطف وحنان وحب، ورغبة في المعلم، ورغبة في علمه، ورغبة في ما يقول، وتأثر بما يشير إليه.
وما الأسرة السعيدة؟ وما الأسرة الشقية؟ أليست السعيدة من عرفت فيها الزوجة نفسية زوجها والزوج نفسية زوجته وعمل كل منهما على أن يصدر منه ما يتفاعل ونفس الآخر