الخمائر. ولما جاء القبابات بعد أيام وجدها جميعاً مرغية إلى عنقها رغوة تضرب إلى الحمرة دليل اختمار طيب مرضي. وتبقى من ماء الغسول بقية، فأغلاها وأسقط قطرات منها في عشر قبابات أخرى فلن يحدث فيها اختمار لأن الإغلاء قتل الخمائر
قال بستور:(الآن وقد أثبت أن الخمائر توجد على ظاهر العنب، سأثبت لهذا الجاهل إفريمي بتجربة رائعة إن هذه الخمائر لا توجد في باطن العنب)، وأخذ أنبوبة جوفاء رفيعة كان قد أسخنها في النار ليقتل ما قد يكون علق بها من أحياء، ثم سدّ طرفها، وكان رفيعاً حاداً، فرفعه برفق إلى داخل عنبة خارقاً جلدها، ثم كسر هذا الطرف داخل العنبة فاندفع بعض عصيرها في الأنبوبة، وبمهارة ولباقة لا تباري نقل هذا العصير إلى قبابة بها عصير عنب كان قد عقّم بالتسخين. ورجع إليها بعد أيّام فما وقع بصره عليها حتى صاح:(لا حياة لإفريمي بعد اليوم، فعصير العنب بالقبابة لم يختمر، وبطن العنب خلو من الخمائر). ثم أستطرد فنطق بقضية جامعة شاملة؛ قال:(إن المكروبات لا تنشأ من ذات نفسها في بطون الأعناب وديدان الخز وأجسام الحيوانات الصحيحة، وهي لا توجد في دم الحيوان ولا في بوله. فإن هي وجدت في شيء من ذلك فإنما دخلت إليه من الخارج) ولكأني بك تسمعه يتحدّث إلى نفسه: (وستعلم الدنيا قريباً ما تؤدّي إليه هذه التجربة البسيطة من إحداث معجزات بليغة)
- ٨ -
ولم يمضي وقت طويل على هذا حتى ظهر أن أحلام بستور لم تكن أضغاثاً، وإنما خاله من إمحاء الأمراض على ظهر الأرض لم يكن أملاً جامحاً. فجاءه كتاب من الجرّاح الاسكتلندي (لستر) يذكر فيه إعجابه الشديد به وسروره الكثير بأعماله، ويصف له فيه طريقة جديدة لفتح أجسام المرضى وإجراء العمليات الجراحية في نجوى من ذلك الوباء الخفي الذي أعتاد أن يذهب في المستشفيات بحياة ثمانية من كل عشرة من الرجال والنساء. كتب له لستر يقول: (فأنا أستمحيك في أن أشكرك شكراً خالصاً إذ هديتني بأبحاثك المجيدة إلى الحق في أمر هذه الجراثيم التي تسبب التعفّن والفساد، وأثرت لي السبيل إلى النظرية الوحيدة التي لا ينجح تعقيم إلا بها. وإذا أنت تحملت المشقّة فزرتنا في أدنبرة فسوف لا تأسف على هذه الزيارة إن شاء الله، لأنك سترى بعينك في مستشفياتنا