وتَعَلّلوا، والشَوقُ يَغلِبُ ... بالأراكةِ والبِشامَه
وسَقاتها المتَلاعِبونَ بلَب ... مَن أعطوهُ جامه
مِن كلِّ أهيفٍ يزدري ... بالغصنِ إن يَهزز قِوامه
ذي غَرَّةٍ لألاؤها ... يمحو عَنِ النادي ظَلامَه
فالشمسُ في أزرارِه ... والبدرُ في يَدِهِ قَلامَه
يصمي القلوبُ إذا رَمى ... عَن قوسٍ حاجِبَهُ سِهامَه
وَيَروقُ حَسَناً إن رَنا ... وَيَفوقُ آراماً بِرامه
ثم يشكو صروف الدهر وفجائعه بفخر الأدب (ذي الوزارتين لسان الدين بن الخطيب):
راعَت صروفُ الدّهرِ دو ... لته، وما راعَت ذمامه
حتى ثَوى إثرُ التَوى ... في حفرَةٍ نثِرَت عِظامه
مَن زارها في أرض (فا ... س) أذهَبَت شَجوا منامه
إذ نَبهَته لِكلّ شَملٍ ... شَتّتَ الموتُ التئامه
هذا لِسانُ الدينِ أسكَتَهُ ... وأسكَنَهُ رجامه
ومَحا عِبارَتِه فمَن ... حَياهُ لَم يردد سَلامه
فَكَأنّهُ ما أمسَكَ ال ... قَلَم المطاع ولا حسامه
وَكَأنّه لَم يعلُ مَت ... ن مطهم باري النَعامَه
وَكَأنّهُ لَم يرق غا ... رب الاعتزاز ولا سنامه
. . . مذ فارَقَ الدنيا وقَو ... م ض عن مَنازِلَها خِيامه
أمسى بِقَبر مفرَداً ... والتربُ قَد جَمَعَت عِظامه
مِن بَعدِ تَثنِية الوزا ... رة، جاده صَوبُ الغَمامه
لَم يَبقَ إلا ذِكرُهُ ... كالزهرِ مفتَرِ الكمامه
- ٤ -
وله في الشعر المنثور رسائل بليغة، ومساجلات أدبية رائقة؛ ويكفي أن نلقي نظرة على كتابه الحافل (نفح الطيب) الذي هو سجل لألوان الأدب الأندلسي، وديوان لأخبارهم وطرائفهم، والذي تدين له العروبة والتاريخ والأدب والفن بأكبر الفضل في جمع أشتاتها،