للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ونظم متناثرها، فخلد بعمله ذاك صوراً حية من الحضارة الأندلسية، ومدنية العرب في أوربا (من مطلع فجرها حتى مغرب شمسها)!. . .

وإليك ما يقول في وصف البحر حين نزوحه عن مسقط رأسه إلى ديار الشرق والحجاز:

(. . . ثم جد بنا السير في البر أياماً، ونأينا عن الأوطان التي أطنبنا في الحديث حبالها وهياماً، وكنا عن تفاعيل فضلها نياماً، إلى أن ركبنا البحر، وحللنا منه بين السحر والنحر، وشاهدنا من أهواله، وتنافي أحوالها، مالا يعبر عنه، ولا يبلغ له كنة. فكم استقبلتنا أمواجه بوجوه بواسر، وطارت إلينا من شراعه عقبان كواسر، قد أزعجتها أكف الرياح من وكرها، كما نبهت اللجج من كسرها، فلم تبق شيئاً من قوتها ومكرها، فسمعنا للجبال صفيراً، وللرياح دوياً عظيماً وزفيراً، وتيقناً أنا لا نجد من ذلك إلا فضل الله مجيراً، وإذا مسّكم الضر في البحر ضلّ ما تدعون إلا إيّاه، وأيّسنا من الحياة لصوت تلك العواصف والمياه، فلا حيا الله ذلك الهول المزعج ولا بياه، والموج يصفق لسماع أصوات الرياح فيطرب بل ويضطرب، فكأنه من كأس الجنون يشرب أو شرب، فيبتعد أو يقترب، وفرقه تلتطم وتصطفق، وتختلف ولا تكاد تتفق، فتخال الجو يأخذ بنواصيها، وتجذبها أيديه من قواصيها، حتى كاد سطح الأرض يكشف من خلالها، وعنان السحب يخطف في استقلالها، وقد أشرفت النفوس على التلف من خوفها واعتلالها، وأذنت الأحوال بعد انتظامها باختلالها، وساءت الظنون، وتراءت في صورها المنون،. . . . ونحن قعود، كدود على عود، ما بين فرادى وأزواج، وقد نبت بنا من القلق أمكنتنا، وخرست من الفرق ألسنتنا، وتوهمنا إنه ليس في الوجود، أغوار ولا نجود، إلا السماء والماء، وذلك السفين، ومن في قبر جوفه دفين، مع ترقب هجوم العدو، في الرواح والغدو، لاجتيازه على عدة من بلاد العدو. . لاسيما مالطا الملعونة، التي يتحقق من خلص من معرتها أنه أمد بتأييد إلهي ومعونة. فقد اعترضت في لهوات البحر الشامي شجا. وقل من ركبه فأفلت من كيدها ونجا،. . . وتشتت أفكارنا فرقا، وذبنا أسى وندماً وفرقا، إذ البحر وحده لا كميّ يقارعه، ولا قويّ يصارعه، ولا شكل يضارعه؛ لا يؤمن على كل حال، ولا يفرق بين عاطل وحال، ولا بين أعزل وشاكي، ومتباكي وباكي، فكيف وقد انظمّ إليه خوف العدو الغادر الخائن، إلى أن قضى الله بالنجاة وكل ما أراد فهو الكائن.) إلى أن يقول: (فترى الأنفاس

<<  <  ج:
ص:  >  >>