لهم الزلفى أن يهنئوه على ما وفق إليه من استبدال زوجه الجديدة بزوجه القديمة
ثم نادى الأمير زوجه القديمة جريزلدا وقال لها في غير خجل ولا رعاية لإحساسها:(ماذا تقولين في زوجي الجديدة؟)
قالت:(مولاي! إني لأشعر لها بالحب من أعماق قلبي. وأرجو أن يكون نصيبها من رجحان العقل وسعة الإدراك بقدر نصيبها من الجمال. إذا تتم السعادة لمولاي الذي أتوسّل إليه بكل عزيز لديه ألا يكسر قلبها، وألا يثلم فؤادها، ولا يقرح كبدها، ولا يجرح عزتها، كما كان يفعل بزوجه القديمة. فهذه يا مولاي فتاة صغيرة نبتت في أعطاف النعمة، ودرجت في حواشي العز والترف، وأما أنا فقد تعودت منذ نشأتي شظف العيش وقسوة الدهر ونكد الحياة.)
قال الأمير وقد خلق الليلة خلقاً جديداً:(عفواً أيتها الفتاة وصفحاً جميلاً، لقد بلوتك في البأساء والضراء فما زادك بلائي إلا صبراً على البلاء، واعتصاماً بالولاء؛ ولقد كنت أحسب النساء لا يقمن على العهد ولا يدن بالصبر. وما صدفت عن هذا الرأي إلا بعد أن خبرتك فسلبتك سعادتك وهناءك: دعيني الليلة أرد عليك في لحظة واحدة هذه السعادة التي حرمتك إياها مدى ستة عشر عاماً: هذه الفتاة التي أحببتها الليلة والتي يحسبها الناس جميعاً زوجي الجديدة هي ابنتك وابنتي التي انتزعتها منك منذ كانت في المهد، وهذا الواقف إلى جوارها هو ابننا الذي حرمتك إياه رضيعاً. أقبلي يا زوجتي على ولديك وقبليهما ما وسعك الحب لهما.)
واستوت على الوجوه دهشة شادهة، ووجوم يشبه البله! ثم تقدم النساء إلى جريزلدا وقدنها إلى مقصورة فاخرة وألبسنها ثياباً لم يطل بينها وبينها العهد، وجلسن يحدثها في إكبار لقدرها وإجلال لنفسها
وأقيمت في القصر ليال غر، وشمل الفرح والسرور كافة الشعب، وطابت نفوس وقرت عيون
وبعث الأمير إلى والد جريزلدا وأتم نعمته عليه، فاقطعه من القصر جناحاً يقيم فيه، وعاش الأمير وزوجه الصبور، ووالدها الطيب، وولداها الطاهران في سعادة ونعيم، حتى فرق بينهم الدهر كما يفرق بين كل الأحياء.