وذكرت فيه بعض المذكورين بفضل ونحوه من أهل الذمة. . .) وقد هيأت حياة السخاوي نفسه وتجواله في مصر والشام والحجاز؛ ولقاؤه لمئات العلماء والأدباء في عواصم هذه الأقطار، وما قيده عنهم في مختلف رحلاته، مادة حسنة لكتابة المستقبل. وأنفق السخاوي بلا ريب أعواماً طويلة في إعداد مواده وتنظيمها واستكمالها؛ والظاهر أنه لم يبدأ في كتابة معجمه إلا في أواخر القرن التاسع حوالي ٨٩٠هـ وأستمر في الكتابة فيه حتى سنة ٨٩٧هـ أو ٨٩٨هـ؛ يدل على ذلك أنه يصل في ترجمة نفسه حوادث حياته حتى سنة ٨٩٧هـ، وأنه يذكر ضمن كتبه (كتاب التوبيخ لمن ذم أهل التاريخ) وقد كتبه حسبما يقرر في خاتمته بمكة سنة ٨٩٧هـ؛ هذا فضلاً عن أنه يترجم لكثيرين توفوا سنة ٨٩٧هـ
ويمتاز (الضوء اللامع) بقوة فائقة في التصوير ليس لها نظير في كتب التراجم الإسلامية، ويمتاز بالأخص بروحه النقدية اللاذعة؛ وهنا يبدو السخاوي في أعظم خواصه وكفاياته الأديبة نقاده لا يجارى؛ بيد أن هذه النزعة النقدية تحمله بعيداً في مواطن كثيرة، فينزع عندئذ إلى التجريح والهدم بقسوة، ويطبع نقده تحامل بين؛ وقد ترجم السخاوي كثيراً من أقطاب العصر، ولكن أحداً منهم - إلا شيخه ابن حجر - لم ينج من تجريحه اللاذع؛ وتراجم المقريزي وأبن خلدون وأبن تغري بردى والسيوطي أمثلة واضحة لهذه النزعة الهدامة، ففيها يبدو شغف السخاوي بالتجريح والانتقاص ظاهراً؛ وهو لا يكاد يطيق عبقرية بارزة من عبقريات هذا القرن إلا هاجمها بشدة؛ وهو يبدو في أحيان كثيرة في حملاته قوياً صارم الوطأة، غير أنه يبدو في أحيان أخرى سقيما تعوزه الحجة فينحدر عندئذ إلى ما يشبه القذف المجرد؛ وقد كان السخاوي أشد الناس شعوراً بقوته ومضاء قلمه، وكان كثير الاعتداد بهذه القوة، يشيد بها في مقدمة الضوء اللامع فيما يأتي:(ولكني لم آل في التحري جهداً، ولا عدلت عن الاعتدال فيما أرجو قصداً، ولذا لم يزل الأكابر يتلقون ما أبديه بالتسليم، ويتوقون الاعتراض عما ألقيه والتأثيم، حتى كان العز الحنبلي والبرهان بن ظهيرة المعتلي يقولان، انك منظور إليك فيما تقول، مسطور كلامك المنعش للعقول، وقال غير واحد ممن يعتد بكلامه وتمتد إليه الأعناق في سفره ومقامه، من زكيته فهو العدل، ومن مرضته فالضعيف المعلل. . . بل كان بعض الفضلاء المعتبرين يتمنى الموت في حياتي لا ترجمه بما لعله يخفي عن كثيرين. . .). ويفرد السخاوي لنفسه في كتابه، كما