للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولا ننسى هنا أن الجامعة المصرية حينما شيد بناؤها على طراز أوربي لا مصري ولا عربي لم يتم بنائها التقليد ببناء المساجد، ييسر للطالب المصلي تأدية الصلاة، فكأنه أكره على ترك الصلات إكراهاً. وقد تكلمت في هذا فقيل لي أن في تخطيط الجامعة م سجداً. ولست أدري متى يشيّد هذا المسجد المخطط؟ لماذا نؤمن ببعض سنن الأوربيين ونفكر في بعض؟ ولماذا يا قوم نقلدهم في المراقص ولا نقلدهم في بناء المعابد في الجامعات؟ وقد كان لنا مصليات في مدارسنا، وكان لها أئمة يصلون بالطلبة، ولكنا شعرنا بتوغلنا في المدينة وتقدمنا في العلوم والفنون فخجلنا من الإبقاء على هذه السنن القديمة فأهمناها فدرست ونسيت!

ومما فعله الكماليون آخراً تحويل جامع آيا صوفيا كنيسة بمحو ما فيه من آيات قرآنية وأحاديث، والكشف عما ستره المسلمون من صور القديسين والملائكة والصلبان ونحوها من نقوش المسيحية؛ وقد أحتج لهم من يدافع عنهم بالحق وبالباطل بأن بناء المسجد وهي، ولم يبق صالحاً لإقامة الصلوات فجعلوه متحفاً وكشفوا عن هذه الصور الأثرية، فهل معنى هذا أن الكماليون أشفقوا على المصلين أن يخرّ عليهم المسجد فأرادوا أن يفدوهم بروّاد المتاحف لا يبالون أن يسقط عليهم المتحف أو لا يسقط؟ هل بلغ الولع بالآثار القديمة عندهم أن يمحوا الآيات القرآنية ليكشفوا عن الرهبان والصلبان؟ على أن هذه الآيات قد كتبت بخط جميل يجعلها من الفنون الجميلة، ومضت عليها عصور تجعلها من الآثار القديمة

لست أرى في ما صنعه الكماليون بآيا صوفيا إلا إنفاذاً للمنهاج الذي وضعوه. فهذا جامع كان كنيسة معظمة عند النصارى، وقد فتح المسلمون القسطنطينية فجعلوا من آيات الفتح والظفر تحويل الكنيسة إلى جامع فطمسوا نقوش النصرانية فيها، وبنوا لها منارتين، ونصبوا أمامها لوحاَ كتبوا فيه حديثاً مروياً عندهم: (لتفتحن القسطنطينية! ولنعم الجيش جيشها، ونعم الأمير أميرها!) ولا يزال التركي كلما مرّ بهذا الجامع ذكر الفتح والفاتح، وغلبت الإسلام في هذه المدينة ونحو هذا مما لا يلائم (النهضة التركية الأخيرة) ولا يساير المدنية الحديثة، ثم لا يزال هذا الجامع حسرةً في نفوس النصارى، ما نسوه قط، وقد أعربوا عن أملهم في تحويله إلى كنيسة يوم احتل الحلفاء الآستانة في الحرب الكبرى

<<  <  ج:
ص:  >  >>