للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

منادين بأن الدولة لا دين لها. ثم عمدوا إلى القوانين المدنية، وهي مستنبطة من الشريعة الإسلامية فنبذوها واستبدلوا بها قانون سويسرا. وليسوا أول من يلام على ذلك، فقد سبقهم المصريون فسنوا للمسلمين هذه السنة السيئة، ولكن الكماليين كانوا بدعاً من الأمم في اختيار قانونهم الجديد. فما كان هذا القانون وليد عاداتهم، ولا نتيجة حاجاتهم، ولا منتهى ما رآه أولو الأمر منهم، بل أتوا بالقانون السويسري مجموعاً مطبوعاً مجلداً، وعرض على المجلس هذا المجلد مطبقاً، وأخذت الآراء فأجمع عليه الأعضاء، فأنتقل قانون سويسرا إلى الأناظول في ساعة، وصار الأناظول سويسرا، وصار أهله سويسريين، وأنجاهم الله من القوانين الإسلامية البالية، إذ أنزل عليهم قانوناً جديداً مطبوعاً مجلداً، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء!

ومما ابتدعه الكماليون التأذين باللغة التركية. وقد ترجموا القرآن من قبل إلى لغتهم فعذرناهم وقلنا لابد للمسلم أن يفهم قرآنه، والتركي لا يستطيع أن يفهم القرآن بالعربية فلا مناص من ترجمته إلى لغته؛ والأمر في الأذان غير هذا، فهو تسع كلمات ممدودات صارت شعاراً للمسلمين في أقطار الأرض كلها يفهمونها على اختلاف لغاتهم؛ ليس في الأرض مسلم لا يعرف معنى الله أكبر ومحمد رسول الله، والصلات والفلاح، وأن يكن في الأرض مسلم لا يفهمها وجب عليه أن يفهمها احتفاظاً بهذا الشعار، واستمساكاً بهذه الكلمات الجامعة بين المسلمين. فما بال الكماليين أصروا على التأذين بالتركية؟ ذلك بأنهم لا يبالون بالرابطة الإسلامية، وما أحسبهم إن استمرت لهم هذه السيرة إلا سيلغون الأذان كله فيستريح السادة المترفون من هذه الضوضاء. ذهبت مرة إلى جامعة أكسفورد فتعشيت في إحدى كلياتها مع الطلبة. فلما جلسنا على الموائد أقبل جماعة من الأساتذة إلى مائدة تسمى المائدة العالية، فوقف الطلبة، وتلا أحد الأساتذة دعاء باللاتينية. ولما انتهى الطعام وقف الطلبة خاشعين فاستمعوا إلى دعاء آخر باللاتينية. وهناك شواهد كثيرة على احتفاظ الأمم في بعض أمورها بكلمات من لغات غير لغاتها احتفاظاً بذكرى تاريخية أو إبقاء على سنة دينية. وأذكر هنا أن في أكسفورد تسع عشرة كلية مع كل واحدة منها كنيسة، والطلبة ملزمون بالتناوب على الصلات في أوقات معينة، فهل منع هذه الإمبراطورية البريطانية من أن تسود العالم؟ أو كان هذا بعض الأسباب التي مكنت لها في الأرض؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>