وهو أيضاً أكبر أسرار نجاح نظم التربية عندهم: فالنظام الأرستقراطي يتمثل في المدرسة الإنجليزية كما يتمثل في المجتمع الإنجليزي: فالتعليم عام مباح للجميع، ولكن هناك مدارس للخاصة قاصرة على أبناء من يأبون لأبنائهم مخالطة أبناء السوقة، ومعظم أبناء الطبقة السفلى ينقطعون عن المدرسة بمجرد إنهاء المرحلة الإجبارية وينزلون إلى ميدان الحياة العملية، ونظم المدارس من الشدة والدقة وجوهاً من النقاء بحيث لا يسمح بالاستمرار في مراحل التعليم إلا لمن حسنت أخلاقهم ونضجت مداركهم، والحكومة ومجالس الأقاليم والجماعات الخيرية لا تنفق أموالها إلا على النابغين المتفوقين، وهكذا يبدأ التعليم في أول مراحله ديمقراطياً عاماً ثم تتناوله يد الانتخاب بالتهذيب والتنقية فلا يبلغ القمة إلا الأكفاء خلقاً وموهبةً، ولا يصل إلى مراتب الإدارة والحكم وقيادة مصالح البلاد وتوجيه مصايرها إلا صفوة أبنائها، ويظل الأوشاب في أسفل
أما في مصر فأننا لطول لهفتنا إلى الديمقراطية والعلم - بعد أن عصف بنا الاستبداد والجهل أجيالاً - اندفعنا إلى مبدأ التعليم العام اندفاعاً، وأخذنا بمبدأ الديمقراطية وحده، وهو مبدأ كما تقدم غير طبيعي ما لم يماشه جنباً لجنب مبدأ الانتخاب، وما لم يراع معه قيام الفوارق بين الطبقات، فأدى هذا الاندفاع إلى هبوط مستوى التعليم هبوطاً ذريعاً: فكثر عدد المتعلمين ولكن قلت قيمة الواحد منهم بما يحمله من علم وخلق، والجانب الخلقي هو الذي يعنينا هنا أكثر من غيره، وقصارى ما يقال في أخلاق أبناء مدارسنا وخريجيها أن النفس تمتلئ أسى ويأساً من مستقبل قضية الوطن العزيزة حين تذكر أن هؤلاء هم ذخر البلاد لغدها، وما جنى على أخلاق متعلمينا هذه الجناية إلا حشد التلاميذ في المدارس من جميع الطبقات بلا تمييز
في كل أمة في العالم طبقة سفلى، فلا ضير علينا في الاعتراف بوجود هذه الطبقة بيننا، بل يجب علينا ونحن نلتمس موضع الداء ونحاول إصلاح عيوب التربية أن نذكر أن الطبقة الدنيا في بلادنا كبراً يفوق ما بالبلاد الراقية، وأن أخلاق يلك الطبقة في منتهى الضعة، لأنها ما تزال تحمل بين أطوائها آثار عصور الاستبداد والجهل التي أوهنت الأخلاق وبثت الكذب والنفاق والغش والخيانة والخشونة والوقاحة، وما يزال أبناء الطبقة