الوضيعة عندنا متسمين بهذه الصفات، وهم لا يرون بها بأساً ولا يعدونها إلا إمارات مهارة وحنكة ووسائل اختيال للعيش وانتهاز للفرص
ومن سوء حظ التعليم في مصر أن أبناء تلك الطبقة أقبلوا على التعليم في السنين الأخيرة إقبالاً شديداً، لا لقدرهم العلم قدره ومعرفتهم بفضل الخلق الكريم العالي، بل طمعاً من الآباء في أن يروا أبناءهم يرفلون في أزياء الأفندية والبكوات، ويترشحون لعالي المناصب والمرتبات، فوجد أبناء السائقين والإسكافيين والخدم والبوابين ومن إليهم أبواب المدارس مفتحة لهم على مصايعها فجلسوا على أرائكها بجانب أبناء الأسر الطيبة الذين نشئوا في بيوتهم على حسن الذوق ولطف الخطاب وطهارة الطوية، فبثوا في جو المدرسة خشوتة طبائعهم وجلافة خطابهم، وسفالة أفكارهم، وضعة نفوسهم ولم تكن إلى سنون حتى تسمم جو كل مدارسنا، وصارت تطبع كل من أمها من التلاميذ - سوقهم وراقيهم - على غرار واحد لا يتصف بصفة حميدة واحدة
والذي أراه أن مدارسنا لن تقال من كبوتها، وأخلاق ناشئتنا لن ترفع من حطتها، حتى يصد هذا الذي يحق أن نسميه (غارة السوقة على المدارس) ويفصل بين أبناء السوقة وأبناء الأسرات الطيبة في معاهد العلم، ومادام هذا الزج الذي لا تمييز فيه فستظل أخلاق سوقتنا تطغى على أخلاق عليتنا ونحن نمكن لهذا الطغيان بأيدينا في مدارسنا
في الأمة سوقة وفيها أسرات طيبة، ونحن الذين نريد الرقي ببلادنا نبني الخير للجميع بلا نزاع، ولكن هذا المزج بين الفريقين بدعوى الديمقراطية لا يؤدي إلى غرضنا المنشود، هو يهبط بأخلاق العلية ولا يرفع السفلى، كالذي يمزج قليلاً من الماء النقي بكثير من الماء العكر لن يحصل إلا على ماء عكر، والأجدر بنا ألا نتعجل الأمر فنحاول ترقية الأمة جميعاً وتعليمها وتهذيبها دفعةً واحدة
إن الأجدر بنا أن نصرف عنايتنا أول الأمر إلى أبناء الطبقة المهذبة فنمدهم بالتعليم الذي ينشرونه وهم بمنأى عن مخالطة السوقة والتطبع بطباعهم، فهؤلاء صفوة أبناء الأمة، ومتى خلص لنا تعليمهم وتهذيبهم فقد أهدينا إلى البلاد طبقة من أبنائها الأكفاء ذوي الخلق العظيم القادرين على تدبير أمورها وقيادة نواحي النشاط العام في حياتها، ولنا أن نلتفت بعد ذلك - أو مع ذلك - إلى أبناء السوقة فنفسح لهم في مجال التعليم والتربية بما يؤدي