إلى ترقية أخلاقهم ورفع مستواهم، ولكن على أن يظلوا بنجوة لا يبثون السموم في بيئة أرفع من بيئتهم، وان رفع مستواهم لأمر يحتاج إلى أجيال، كما أنهم إنما هبطوا إلى دركهم ذاك في أجيال، فجدير بنا أن ننبذ التسرع جانباً
ومن ثم نرى ضرورة إنشاء مدارس منفصلة لأبناء الطبقة المهذبة والأسرات الطيبة كما أشرت إليه في كلمة سابقة، يقبل بها التلاميذ على أساس الانتخاب الخلقي والعقلي لا على أساس الديمقراطية العمياء، فمما لا نزاع فيه أن بالبلاد أسرات طيبة ينشأ أبناؤها في بيوتهم نشأة طيبة، فلننتخب أبناء هذه الطبقات - بخير الطرق المستطاعة - ولنفرد لهم مدارس تمدهم بالثقافة ولا تفسد أخلاقهم بمخالطة الدون
ولا شك أن اليسر المالي من دواعي رقي الأسرة ورقي المجتمع كله. فالأسرة التي تشعر باليسر وترى امتيازها المالي على غيرها تسعى ليكون لها امتياز خلقي أيضاً، فتنزع إلى الحياة المنظمة النظيفة وتتسامى عن الشرور وعن السفساف، وتسود فيها رقة الحاشية وسلامة الذوق، والأخلاق الطيبة تبدأ تطبعاً وتستحيل طبعاً وتبتدئ بالمظهر ثم تأخذ بالجوهر. أما الأسرة السوقية المدقعة فيورثها كفاحها في طلب القوت وضيع الرذائل وقذر العادات، ومن ثم يمكن أن يتخذ اليسر المالي مقياساً لرقي أسرة الطالب وسموها عن أدران السوقية كما تتخذ مهنة والده مقياساً لذلك أيضاً، ويجب بعد أن يقبل الطالب في المدرسة أن تستمر الرقابة المدرسية الصارمة، فمن ثبت عدم استحقاقه للبقاء في بيئتها الراقية فصل على الفور ليظل جو المدرسة دائماً نقياً يسمو بأخلاق أبنائها
كذلك يجب أن تسمو المدارس بالعقول: بأن يرفع مستوى الامتحانات التي يتوقف عليها تقدم الطالب في مراحل العلم - أياً كان نوعها وكيفما أدخلت على أنظمتها الإصلاحات - حتى لا يسمح باجتياز مراحل التعليم المختلفة إلا لمن هيأتهم الطبيعة بالمواهب الصحيحة، فيسمح للجميع بطرق مرحلة التعليم الأولي، ولكن لا ينال الإجازات العلمية إلا من هم جديرون بها
هكذا يطبق مبدأ الانتخاب في التربية بناحيتيها الخلقية والعقلية؛ وبأتباع هذا المبدأ ترقى أخلاق المتعلمين ويرتفع مستوى الحاصلين منهم على الإجازات العلمية ويقل عددهم فلا يزيد على حاجة البلاد ولا يكونون طبقة عاطلة، ومن تخلفت به مواهبه منهم عن أدراك