وهذه فتاة تمشي على استحياء مستندة إلى ذراع أخيها، فما تعرت من برنسها إلا ليسترها الماء. وهذا رأس رجل يبدو سابحاً من بعيد، ما يكاد يرى الفتاة حتى يتنكّب عن الطريق لئلا تتأذى منه الحسناء السبوح
وأحس إبليس أول آلام البشرية في الوحدة والفراغ والضجر، فمضى على وجهه ممتلئ النفس فارغ الفؤاد. لقد ودّع عالمه الموحش تحت الرغام ليظفر بالأنس في عالم البشرية، فما ظفر إلا بالوحشة وألم الشعور بالحرمان؛ وخلع عنه شيطانيته تائباً ليهب للناس الاستقرار والسلام، فما لقي هو في بشريته إلا الاضطراب والألم
واطمأنت الحياة بالناس، فاجتمعوا على الرضى والطاعة في حالٍ شر منها السخط والعصيان؛ إذ لم يكن ثمَّت عدوان يدعو إلى المقاومة، أو تربُّص ينبه إلى الحذر، أو كيد يستتبع الحرص واليقظة؛ وعاد كل فرد أمة وحده، يعيش في رضى وقناعة على أكمل ما يكون الإنسان صلاحاً وحباً في الخير، ولكن الجماعة لم تجد ما يشد وحدتها ويربطها آصرة إلى آصرة. ودب النعاس إلى أجفان الحياة: فمات الطموح لأنه باب من التكبر؛ وخمد النشاط، لأنه جهاد في غير عدو؛ واستنام الناس إلى القدر، لأن التمني ضرب من الأثرة؛ وعاش نصف الناس عيالاً على نصف الناس؛ فليس ثمت عمل للشرطة والجيش ورجال الحكم؛ وأنى لهم أن يعملوا ما دام لا سرقة ولا قتال ولا عدوان؟
وكسدت سوق القفال والزراد والصيقل والرماح؛ وما حاجة الناس إلى الأقفال والدروع والسيوف والرماح؟
وقال فتى لصاحبه: تعال نلتمس نزهة في غير ساحة (المولد)؛ فما لنا ولهذه المهرجانات التي لا تجتمع إلا على شر ولا تحشد الناس إلا لمعصية؛ حسبي أن أعمر قلبي بذكر الله وأتخذ أولياءه قدوتي وإمامي. . .
وأمن صاحبه على قوله؛ ولكن البدال، والبقال، والبزاز، وبائع الحمص، وصانع الحلوى، ومدير الملهى - لم يعرفوا لماذا هجر الناس المولد؛ فمضى الموسم ما باعوا ولا اشتروا ولا تعوضوا، وقوض كل منهم خيمته ومضى غير مأجور على جهاده!
وقال بعضهم لبعض:(أترون الناس قد نسوا أولياءهم فتمردوا على ما اعتادوا؟)