ماذا. . .! أيعيش هذه الآلاف من سنيه الماضية يتحكم في البشرية كلها، وعلى إرادته، ويسعى بين الناس، ويصل بين الأحباب، ويقدم الثمرة لكل من يشتهيها؛ حتى إذا اشتهى هو أن يذوق تلك الثمرة أعجزه أن ينالها. . .؟
وللمرة الثانية منذ خلق شعر أن كبرياءه جريح. . .!
لقد أبى أن يسجد لأبي البشرية كلها وفسق عن أمر ربه، أفتفسق عن إرادته امرأة؟ وما هو إن لم ينلها؟ وما هي حتى تتأبى عليه كل هذا الإباء؟
وعاود احتياله يستجدي الحسناء بعض الرضى، فولّت عنه معرضة مستكبرة، ومضت تدوس بقدميها الصغيرتين قلب إبليس. . .!
وعاد إلى نفسه يستلهمها الحيلة فما أمدته بشيء، وبدا إبليس في بشريته إنساناً ضعيفاً قليل الحول، لا قدرة له على التصرف ولا طاقة له بالاحتمال. . .
ووجدت له شغلاً من فراغ. . . وعدا خلف المرأة يحاول أن يدركها ما يبالي نظرات الناس؛ فإذا زوجها يلقاها على الطريق فيصحبها إلى الدار يداً في يد وجنباً إلى جنب!
وأحس إبليس فوق ألم الحب الذي يجد ألماً جديداً من آلام البشرية، وقذف منظر الزوجين المتحابين في قلبه الحسد. . .!
وآده العجز والشعور بالحرمان، فعاودته شيطانيته ثائرة محنقة. على أنه وقد ذاق بعض لذات البشرية في آلامها لم يكن يريد أن يرتد إلى عالمه، إنما كان حسبه أن يستمد الحيلة من طبيعته الأولى بمن يحب وهو باق في بشريته!
ولكنه - وا أسفاه! - لم يستطع أن يكون شيطاناً ورجلاً في وقت معاً؛ وحين ألهمته طبيعته الأزلية بالرأي فقذف بالفكرة المحرمة في قلب المرأة - كان خلقاً آخر ليس من البشرية ولاحظ له من المرأة. ونظرت الحسناء إلى وراء تفتقد عاشقها المد نف فما رأته، وما كان لها أن تراه وقد عاد شيطاناً لا يخضع لنواميس هذا العالم؛ ورآها هو تنظر متلهفة مشتاقة، فما نالته نظرتها ولا مسّت قلبه؛ لأن إحساس البشرية ونوازعها كانت قد فارقته حين لبس جناحي شيطان. . .!
وكتب في تاريخ الأرض، أن إبليس قد تاب مرة، ولكن ردته إلى شيطا نيته امرأة. . . .!