هذا العالم لتوجد منهما الخير الأعظم، وأنا - أنا الشيطان المشئوم - حسبتني يوماً أكبر مما أنا، حين ذهبت أهدم ما تبني، وأعصي ما تأمر، وأدعو إلى ما تنهي، فلما آذنت أن تذل كبريائي، أريتني نفسي إلى جانب عظمتك، فإذا أنا، أنا الذي زين له الغرور يوماً أنه أكبر من أمرك، إذا أنا أعصى عصياني في طاعتك، وأفسد إفسادي لإصلاح عبادك على قدر منك وتدبير حكيم. . . .!
وشعر الشيطان بالخيبة تلاحقه في كل مكان، فلا هو هناك - في عالمه الشيطاني - كان موفقاً فيما يحاول الانتقام من بني آدم، ولا هو هنا. . .
وعاودته نزعة شيطانية لم يلبث أن قمعها في صدره وانطلق في سبيله
وانتهى إلى البستان المعشوشب المخضل وقد نال منه الإعياء فارتمى على العشب الرطب يستريح في ظل وارفة لفاء، وطلع له من بين ملتف الحدائق حسناء وضاءة، تمشي كما يهتز الغصن وترنو كما يبتسم الزهر
وأحس إبليس مرة أخرى أن قانون البشرية يعمل في دمه وأعصابه، وأطال النظر إلى الحسناء الفاتنة ثم أطبق عينيه وهو يتنهد، كأنما قد توهم أنه قد احتوتها أجفانه، وشعر بمس الحب في قلبه فأشرق وجهه بابتسامة فيها لمحة من السرور وغير قليل من الألم
وجلست الحسناء جلستها على العشب غير بعيد، وضمت إليها أطراف ثوبها يستر شيئاً ويكشف عن شيء، مستأمنة مطمئنة
وخطا إبليس خطوتين إلى حيث جلست يسألها شيئاً، فاستحيت حواء الصغيرة وأرخت فضل ثوبها على الوجه الفاتن، ووقف إبليس ينشد قصيدة غزل طويلة، وعتها حواء كلمة كلمة ومعنى معنى، ولكنها لم تنبس، ومد إليها يداً يستنهضها فما نهضت وازورت عنه معرضة، وسكت ولكن عينيه ظلتا تتحدثان حديثهما
وأربد وجه المرأة من غضب، فما رأى إبليس غضبتها إلا فناً جديداً من فنون جمالها، فقالت وقد ضاقت به:(إليك عني يا فتى وخل سبيلي. . . .!)
وضاق صدر الشيطان بهذه الإنسانة العنيدة، وثقل عليه أن يعجز عن نيلها وهو هو!
كم فتاة وامرأة قبل صاحبته تلك كانت من عباده وأتباعه ما تأبت واحدة منهم على ما أراد لها؛ على أنه اليوم يريدها لنفسه هو، فليس به اليوم حاجة لأن يسعى لغيره وقد خلع شيطا