للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكنه نسى وصحح كتابه ولم يخطر له أن يتحقق مما يكتب. وانظر إليه في موضوع آخر حين يذكر تحرر الفرنسيين من آثار اليونان والرومان في القرن السابع عشر، كيف يذكر لابروير وموليير وهو يعلم حق العلم أن أولهما تأثر من غير شك بتيوفرايست، وإن الثاني تأثر من غير شك بتيرانس وبلوت. وتستطيع أن تأخذ هيكلا بطائفة غير قليلة من هذا الخطأ الذي مصدره الإهمال والسرعة، وشيء من الازدراء لتحقيق المحققين. ولو أني عرفت أن هيكلا يحفل بنقد الناقدين، أو نصح الناصحين لألححت عليه في أن يتخذ لفصوله الأدبية مصفاة، إن صح هذا التعبير، يصفى بها ما يكتب فيزيل منه الخطأ اللغوي ويزيل منه الإهمال في بعض الحقائق التاريخية.

أمتفق أنا بعد هذا كله مع هيكل في آرائه كلها حول القديم والجديد؟ ما أظن الا إننا نتفق في أكثرها ونختلف في أقلها. ولعل اختلافنا أن يكون ناشئاً من شيئين أحدهما هذا الإهمال الذي آخذ به هيكلا. والذي يدفعه إلى المبالغة ويضطره إلى التقصير أحياناً. والثاني أن هيكلا رجل أديب، ولكن اشتغاله المتصل بالسياسة قد أثر في تصوره للأشياء وحكمه عليها بعض الشيء. فهو يسرف حين يسئ الظن بما يكتبه الأوربيون عنا حين يمسون حياتنا الأدبية، فما أظن أن (جيب) وأمثاله يتخذون السياسة وأهوائها مقياساً لدراساتهم الأدبية، وهو يسرف حين يحسن الظن بنا وبحظنا من الخيال وقدرتنا على الإنتاج. ولكنه رجل سياسي حين يكتب في الأدب، يريد أن يدافع عن مصر والشرق كما يفعل في السياسة، ويريد أن يرضي المصريين والشرقيين كما يفعل في السياسة. أما أنا فأريد أن أدافع عن مصر والشرق ولكن بشرط أن لا يورطني هذا في تغيير الحقائق العلمية أو مسها بشيء من التشويه ولو قليلا. فالحق آثر عندي من أي شئ ومن أي إنسان.

أما بعد فمهما نأخذ به كتاب هيكل هذا، فلن نغض منه ولن يستطيع أحد أن ينكر أن هيكلا هو المؤرخ العربي للأدب العصري الحديث. وانه قد فرض بذلك نفسه، لا أقول على هذا الجيل وحده، بل أقول على الأجيال المقبلة أيضاً. وأنا واثق كل الثقة بأن كتابه هذا سيصبح من المصادر القيمة للذين يريدون أن يدرسوا أدبنا المصري في نهضته هذه الحاضرة.

طه حسين

<<  <  ج:
ص:  >  >>