المصري في هذه الأعوام الأخيرة من جهة وهو فلسفة أدبية رفيعة موضوعها أدبنا الحديث من جهة أخرى. فإذا كنت تريد أن تعرف كيف نشأت الخصومة عندنا بين القديم والجديد وكيف تطورت والى أين انتهت وما المؤثرات المختلفة التي ألحت عليها فقوتها حيناً وأضعفتها حيناً آخر، وإذا كنت تريد أن تعرف مقدار ما كسبنا من أنفسنا من شخصية قوية أو ضعيفة في فنون الأدب على اختلافها في الشعر والنثر رسائل وقصصا وتمثيلا. وإذا كنت تريد أن تعرف الصورة التي نرسمها لأنفسنا من الأدب القومي، والحقيقة التي استطعنا أن ننتهي إليها من هذا الأدب فأنت واجد هذا كله في هذا الكتاب. وأنت واجد في هذا كله قصصاً هيكلياً ممتعاً بديعاً. ثم إذا كنت تريد أن تجعل الأدب موضوعاً للتفكير والفلسفة كما يجعل الفلاسفة الطبيعة وما بعد الطبيعة موضوعاً لفلسفتهم وتفكيرهم فيحللون ويعللون ويشرحون ويفسرون ويتنبئون فستجد هذا كله في هذا الكتاب. فقد حلل هيكل وعلل، وقد شرح هيكل وفسر، وقد أرخ هيكل وتنبأ، ووفق هيكل إلى كثير جدا من الحق في هذا كله.
اظلم هيكلا واظلم نفسي إن قلت أن إعجابي بكتابه يمكن أن يحد فهو مرآة صافية نقية صادقة لحياتنا الأدبية منذ وضعت الحرب الكبرى أوزارها ولكني أظلم هيكلا، وأظلم نفسي إن قلت أني راض عن كتابه كل الرضا، مقر بكل ما جاء فيه. فبين هيكل وبيني خصومة قديمة ما أرى أنها تنتهي لأنه لا يريد أن ينهيها. ولغة هيكل هي موضوع هذه الخصومة. فهيكل من أصحاب المعاني بين الشعراء، وهيكل يهمل لغته إهمالا شديدا ويتورط في ألوان من الخطأ واضطراب الأسلوب، يدنيه أحيانا من الابتذال، والغريب انه لا يضيق بذلك ولا يجد به بأسا، ولا يعترف بأنه يسيء إلى نفسه والى أدبه معا. ولست أريد أن أحصى عليه هذه العيوب ولا أن اضرب لها الأمثال فهو لا ينكرها ولا يراها عيوبا، ولعله يتمدح بها أحيانا وهو مخطئ من غير شك. فان من المؤلم أن تبدو معانيه الجميلة الرائعة في ثياب رثة بالية في كثير من الأحيان. وهيكل كالسيل إذا عرض لموضوع اندفع فيه فجاء بالجيد الكثير ولكنه لا يسلم أحيانا من الغثاء. فكثيرا ما يتورط في الخطأ لأنه يسرع ولا يتكلف التحقق والتثبيت في بعض مسائل التاريخ. أنظر إليه في المقدمة يريد أن يذكر الأوديسا فيذكر الإلياذة ويضيفها إلى اليونان. والإلياذة هي قصيدة فرجيل، وهيكل يعلم ذلك حق العلم