ويلحون في المحافظة ويتمدحون بها ويبتغون بها الوسيلة عند الذين يحبونها ويستغلونها. هؤلاء أنفسهم ثائرون يفرون من القديم الذي يحرصون عليه، يريدون أن يؤيدوه فإذا هم يجددونه ويغيرونه ويكفي أن تقرأ حتى في نور الإسلام وهي المجلة الرسمية للأزهر. فسترى فيها ثورة ومحاولة للتجديد، وحرصا على أن يظهر شيوخ الأزهر حين يفكرون ويكتبون ملائمين للعصر الذي يعيشون فيه. حياتنا الأدبية كلها ثورة إذا وكل كتاب نكتبه في الأدب فهو ثورة الأدب، لذلك لم اقف طويلا عند العنوان وإنما أسرعت فمضيت في قراءة الكتاب.
لم أجد في الكتاب شيئا جديداً وأرجو أن الا يغضب هيكل فالكتاب كله جديد ولكني أعرفه لا لأني قرأت كثيرا من فصوله حين نشرت في السياسة اليومية أو الأسبوعية بل لأني قرأته وسأقرأه كله في هيكل كما لقيته أو تحدثت إليه. فالكتاب صورة مطابقة اشد المطابقة وأصدقها وأجملها لنفس الكاتب. تقرأ في الكتاب فترى هيكلا وتسمع له وقد تنكر الرأي من آرائه فتهم بأن تتحدث بإنكارك هذا إلى هيكل كأنه جالس إليك تراه وتسمع منه وتريد أن تأخذ معه في الحديث. ليس في الكتاب شئ جديد وهو لذلك من اخطر الكتب واشدها غدرا لك ومكرا بك تمضي فيه فيخيل إليك انك تمضي في كلام مألوف ولكنك لا تكاد تفكر قليلا فيما تقرأ، أو لا تكاد تلح في القراءة، حتى يفتح لك هذا الكتاب أبواباً ويبسط أمامك آفاقا ما كنت تعرفها أو تفكر فيها من قبل وإذ كل شئ جديد، وإذ كل شئ طريف، وإذا الكاتب يخدعك ويمكر بك وان لم يرد خداعاً ولا مكراً.
أريد أن أعطي قارئ الرسالة فكرة دقيقة عن هذا الكتاب بشرط أن لا ألخصه ولا أحلله لا لأني لم اقرأه كما ظن هيكل بصديقنا المازني بل لأن تلخيصه يفسده ويذهب بجماله وقيمته الصحيحة وكيف تلخص في فصل واحد كتاباً يتناول التجديد والتقليد في الأدب ويتناول القصص والتمثيل ويتناول الأدب القومي ويحاول الإنتاج في هذا الأدب القومي، كيف تريد أن تلخص هذا الكتاب على اختلاف ما فيه من ثمرات وألوان. لقد حاول صديقنا المازني أن يلخصه فلم يوفق ولولا أن هيكلا شك في قراءته للكتاب لما تكلف المازني هذه المحاولة. أريد أذن أن أعطي قارئ الرسالة فكرة دقيقة عن هذا الكتاب دون أن ألخصه، ولعلي أوفق إن لاحظت أن لهذا الكتاب ناحيتين فهو تاريخ صحيح دقيق للأدب العربي