وزوج لا يبخل على أسرته بحقها عليه وهو صديق لا يبخل على أصدقائه بحقوقهم عليه. وهو رجل له مكانته الظاهرة في حياتنا الاجتماعية والسياسية، وهو ينهض بما تستتبعه هذه المكانة من حقوق وواجبات. الغريب مع هذا كله أنك تلقاه فإذا هو رجل هادئ مطمئن كأنه أفاق منذ حين قصير من نوم مريح، فهو لم ينشط كل النشاط بعد ولكنه بعيد كل البعد عن الخمود والفتور، ولا تكاد تتحدث إليه دقائق حتى يفتنك ويروعك فكأنك تتحدث إلى جني ولكنه جني عذب الروح لذيذ الحديث.
هذا هو هيكل. فالذي لا يقضي الإنسان عجبا من قدرته على الإنتاج المتصل، في السياسة وفي أي سياسة، في الأدب وفي أي أدب، دون أن يظهر عليه ضعف أو إعياء أو شئ يشبه الملل.
أصبحت ذات يوم لا أكاد اسم صاحبي يتلو علي صحيفة من صحف الصباح الا سمعت إعلانا في هذه الصحيفة عن كتاب لهيكل جديد هو (ثورة الأدب) وكان الإعلان أمريكيا لا عهد لهيكل بمثله. فهيكل من انشط الناس في الأدب والسياسة ولكنهم من أشدهم فتورا في الإعلان. فقلت يجب أن يكون هيكل قد تغير ذلك فليس عهدي به بعيدا، يجب أن يكون شيء من حوله قد تغير، يجب أن يكون الله قد رزقه عفريتا في الإعلان كما هو عفريت في الإنتاج. وما هي الا ساعة أو ساعتان حتى اقبل رسول يحمل ألي نسخة من الكتاب. وكنت اعرف هيكلا بطيئا في إهداء كتبه وكثيرا ما لمته في ذلك، وكثيرا ما أسرفت في الإلحاح لأظفر بنسختي مما كان يصدر من الكتب. فلم ازدد أمام هذه السرعة وهذا النظام الا دهشا، وما زلت إلى الآن دهشا لأني لم افهم بعد مصدر هذه السرعة وهذا النظام في الإهداء والإعلان. ومهما يكن من شئ فقد أسرعت فأعلنت كتاب هيكل إلى الناس في الكوكب كما أعلنته الصحف الأخرى، ثم أسرعت فبدأت في قراءة الكتاب. ولم يخفني عنوانه، أما لأن صديقي هيكلا لا يخيف مهما يثر، وأما لان الثورة مهما تكن لا تخيفني. ولم احتج إلى هذا التفسير الذي خيل إلى هيكل انه محتاج اليه، ليفهم الناس عنه هذا العنوان. فأي غرابة في أن يسمي أي كتاب في الأدب الآن (ثورة الأدب). وهل حياة الأدب العربي في هذه الأيام الا ثورة متصلة. نحن ثائرون حين ننشئ ونحن ثائرون حين نصف ونحن ثائرون حين ننقد. كل إنتاجنا الأدبي ثورة حتى الذين يسمون أنفسهم محافظي