قوي أو ضعيف بين هذين الأديبين دعاني إلى أن اجمع بينهما في هذا الفصل، وإن كان الاختلاف بينهما شديدا مغرقا في الشدة.
أما الذي لا اشك فيه فهو إن ظهور ثورة الأدب ليس هو الذي دعاني إلي الجمع بين هذين الأديبين فقد كنت أستطيع أن افرد لكل واحد منهما فصلاً ولعلي لو فعلت أرحت القارئ وأرحت نفسي من الإطالة ولعلي لو فعلت فرغت لكل واحد منهما فوفيته بعض حقه من النقد والثناء. ولكني وجدت نفسي مدفوعاً إلى أن انظمهما في سلك واجمعهما في فصل. وابحث بعد ذلك عما دفعني إلى هذا. وأظن انه الشعور الذي كنت أجده حين كنت انتقل من شعر العقاد إلى نثر هيكل، ومن نثر هيكل إلى شعر العقاد. فقد كان يخيل ألي أني انتقل بين أديبين مختلفين غاية الاختلاف. وإنما كنت انتقل من شعر كثيراً ما يشبه النثر إلى نثر كثيرا ما يشبه الشعر وكلاهما يمتاز بالخصب والثروة والعمق وكلاهما يمتاز بهذه الديباجة التي ينقصها الصفاء في كثير من الاحيان، وكلاهما يمتاز بإيثار المعاني وإعمال الألفاظ إلى حد بعيد. وهل أنا في حاجة إلى أن اصف هيكلا، واحمد فيه قلبه الزكي وعقله القوي، وبصيرته النافذة وفهمه الصحيح لحقائق الأشياء التي يعرض لها بالبحث والدرس. وهل أنا في حاجة إلى أن اصف هذا الخصب المدهش الذي يحار الإنسان في وصفه وفي تصويره، كلما فكر في هذه الجهود الهائلة التي يبذلها هيكل في غير انقطاع ولا تواني ولا فتور، والتي تستطيع مع هذا كله أن تحتفظ بقوة متشابهة لا يكاد يظهر فيها التفاوت ولا يكاد يعرض لها الضعف، فهيكل صاحب صحيفة يشرف عليها ويدير امورها، ويكتب فيها فصلا في كل يوم على اقل تقدير، وهو عضو في حزب سياسي يشارك زملائه فيما يعملون ويتحدث إليهم كل يوم في السياسة، إذا كان الصباح، وإذا كان المساء. وهو أديب يقرأ فيكثر القراءة وينوعها ويحسن تنويعها. يقرأ في الأدب العربي، ويقرأ في الأدب الانكليزي، ويقرأ في الأدب الفرنسي، ويقرأ في السياسة، ويقرأ في التاريخ، والغريب انه لا يكره أن يقرأ في علوم القانون وإن كان من رجال القانون وهو على هذا كله يكتب في الأدب في موضوعات مختلفة منه، يكتب في الأدب الإنشائي فإذا هو يصف فيبدع في الوصف، وإذا هو يقص فيجيد القصص، ويكتب في الأدب الوصفي فإذا هو ينقض الشعر وينقض النثر، ويوفق في هذا النقد إلى خير ما يطمع فيه الناقدون، وهو على هذا كله أب